فصل: 680 - مَسْأَلَةٌ: الأَسْنَانُ الْمَذْكُورَاتُ فِي الإِبِلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


بسم الله الرحمن الرحيم

زَكَاةُ الإِبِلِ

674 - مَسْأَلَةٌ

الْبُخْتُ‏,‏ وَالأَعْرَابِيَّةُ‏,‏ وَالنُّجُبُ‏,‏ وَالْمَهَارِيُّ وَغَيْرُهَا مِنْ أَصْنَافِ الإِبِلِ‏:‏ كُلُّهَا إبِلٌ‏,‏ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ‏,‏ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ، وَلاَ زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ ذُكُورٍ أَوْ إنَاثٍ

أَوْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّتْ كَذَلِكَ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ حَوْلاً عَرَبِيًّا مُتَّصِلاً كَمَا قَدَّمْنَا فَالْوَاجِبُ فِي زَكَاتِهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ ضَانِيَّةٌ أَوْ مَاعِزَةٌ‏,‏ وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ‏,‏ إلَى أَنْ تُتِمَّ عَشَرَةً كَمَا قَدَّمْنَا‏,‏ فَإِذَا بَلَغَتْهَا وَأَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ حَوْلاً كَمَا قَدَّمْنَا فَفِيهَا شَاتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا‏,‏ وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ حَوْلاً عَرَبِيًّا فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ عِشْرِينَ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ‏,‏ حَوْلاً كَمَا ذُكِرَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ إلَى أَنْ تُتِمَّ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ حَوْلاً قَمَرِيًّا بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ الإِبِلِ أُنْثَى، وَلاَ بُدَّ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَابْنُ لَبُوَنٍ ذَكَرٌ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ‏.‏

فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ حَوْلاً قَمَرِيًّا فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ مِنْ الإِبِلِ أُنْثَى، وَلاَ بُدَّ‏,‏ ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً فَفِيهَا حِقَّةٌ مِنْ الإِبِلِ أُنْثَى، وَلاَ بُدَّ‏.‏

ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا زَادَ فَإِذَا أَتَمَّتْ إحْدَى وَسِتِّينَ وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ مِنْ الإِبِلِ أُنْثَى، وَلاَ بُدَّ‏,‏ ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ سِتَّةً وَسَبْعِينَ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ‏,‏ ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا حِقَّتَانِ‏.‏

وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ مِائَةً وَعِشْرِينَ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَزَادَتْ عَلَيْهَا وَلَوْ بَعْضَ نَاقَةٍ أَوْ جَمَلٍ وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ‏,‏ ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تُتِمَّ مِائَةً وَثَلاَثِينَ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا أَوْ زَادَتْ وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏,‏ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ وَفِي كُلِّ ثَلاَثِينَ وَمِائَةٍ فَمَا زَادَ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ‏,‏ وَفِي أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ فَمَا زَادَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ وَفِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ فَمَا زَادَ ثَلاَثُ حِقَاقٍ‏,‏ وَفِي سِتِّينَ وَمِائَةٍ فَمَا زَادَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ‏,‏ وَهَكَذَا الْعَمَلُ فِيمَا زَادَ‏.‏

فَإِنْ وَجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ جَذَعَةٌ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ‏,‏ أَوْ لَزِمَتْهُ حِقَّةٌ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ أَوْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ‏:‏ فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَقْبَلُ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ مَعَهَا غَرَامَةُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ‏;‏ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُصَدِّقِ قَبُولُهُ، وَلاَ بُدَّ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ، وَلاَ كَانَ عِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وَكَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ‏:‏ فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْمُصَدِّقُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ‏,‏ أَيَّ ذَلِكَ أَعْطَاهُ الْمُصَدِّقُ فَوَاجِبٌ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ قَبُولُهُ، وَلاَ بُدَّ وَهَكَذَا لَوْ وَجَبَتْ اثْنَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الأَسْنَانِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَلَمْ يَجِدْهَا أَوْ وَجَدَ بَعْضَهَا وَلَمْ يَجِدْ تَمَامَهَا‏,‏ فَإِنَّهُ يُعْطِي مَا عِنْدَهُ مِنْ الأَسْنَانِ الَّتِي ذَكَرْنَا‏;‏ فَإِنْ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُصَدِّقُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَعْطَى مَعَهَا مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا، وَلاَ وَجَدَ ابْنَ لَبُونٍ، وَلاَ بِنْتَ لَبُونٍ‏;‏ لَكِنْ وَجَدَ حِقَّةً أَوْ جَذَعَةً‏;‏ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ، وَلاَ كَانَ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلاَ حِقَّةٌ‏,‏ وَكَانَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ‏,‏ وَكُلِّفَ إحْضَارَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلاَ بُدَّ‏;‏ أَوْ إحْضَارَ السِّنِّ الَّتِي تَلِيهَا، وَلاَ بُدَّ مَعَ رَدِّ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ وَإِنْ لَزِمَتْهُ جَذَعَةٌ فَلَمْ يَجِدْهَا، وَلاَ وَجَدَ حِقَّةً‏,‏ وَوَجَدَ بِنْتَ لَبُونٍ أَوْ بِنْتَ مَخَاضٍ‏:‏ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ أَصْلاً إلاَّ الْجَذَعَةُ أَوْ حِقَّةٌ مَعَهَا شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ لَزِمَتْهُ حِقَّةٌ وَلَمْ يَجِدْهَا، وَلاَ وَجَدَ جَذَعَةً، وَلاَ ابْنَةَ لَبُونٍ‏,‏ وَوَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ‏:‏ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ‏,‏ وَأُجْبِرَ عَلَى إحْضَارِ الْحِقَّةِ أَوْ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَرُدُّ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَلاَ تُجْزِئُ قِيمَةٌ، وَلاَ بَدَلٌ أَصْلاً‏,‏ وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ كُلِّهَا أَصْلاً‏:‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، حدثنا أَبِي، حدثنا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِهَا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا‏,‏ وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ‏.‏

فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ابْنُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ أُنْثَى‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ‏;‏ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏;‏ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلاَّ أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا‏,‏ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ‏,‏ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلاَّ ابْنَةُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا‏,‏ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ‏,‏ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ‏,‏ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ مَخَاضٍ لَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ‏;‏ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ ابْنِهِ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَهَذَا حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ أَيْضًا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ حَيْرُونٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، حدثنا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ‏,‏ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ‏.‏

قَالَ زُهَيْرٌ

حدثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ أَخَذْت هَذَا الْكِتَابَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏,‏ وَقَالَ شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ

حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثُمَّ اتَّفَقَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ إنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ‏,‏ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ نَصًّا‏,‏ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ أَخَذْت هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، حدثنا الْمُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ أَخَذْت هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُمْ إنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ‏,‏ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا رَسُولَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ

وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَبُو قِلاَبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالاَ جَمِيعًا حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حدثنا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ نَصُّ مَا قلنا حُكْمًا حُكْمًا وَحَرْفًا حَرْفًا‏.‏

وَلاَ يَصِحُّ فِي الصَّدَقَاتِ فِي الْمَاشِيَةِ غَيْرُهُ‏,‏ إلاَّ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فَقَطْ‏,‏ وَلَيْسَ بِتَمَامِ هَذَا‏,‏ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي نِهَايَةِ الصِّحَّةِ‏,‏ وَعَمِلَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ‏,‏ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ أَصْلاً‏,‏ وَبِأَقَلَّ مِنْ هَذَا يَدَّعِي مُخَالِفُونَا الإِجْمَاعَ‏,‏ وَيُشَنِّعُونَ خِلاَفَهُ‏,‏ رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏:‏ أَنَسٌ وَهُوَ صَاحِبٌ وَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ وَهُوَ ثِقَةٌ سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ‏;‏ وَرَوَاهُ عَنْ ثُمَامَةَ حَمَّاد بْن سَلَمَة‏,‏ وَعَبْد اللَّه بْن الْمُثَنَّى‏,‏ وَكِلاَهُمَا ثِقَةٌ وَإِمَامٌ‏,‏ وَرَوَاهُ، عَنِ ابْنِ الْمُثَنَّى ابْنُهُ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ‏,‏ وَهُوَ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ وَلِي قَضَاءَ الْبَصْرَةِ‏,‏ وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ جَامِعُ الصَّحِيحِ‏,‏ وَأَبُو قِلاَبَةَ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي‏,‏ وَالنَّاسُ‏,‏ وَرَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَشُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ‏,‏ وَمُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ‏,‏ وَأَبُو كَامِلٍ الْمُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ‏,‏ وَغَيْرُهُمْ‏,‏ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ إمَامٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْتَرِضُ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِتَضْعِيفِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لِحَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ هَذَا وَلَيْسَ فِي كُلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَحَدٌ إلاَّ وَهُوَ أَجَلُّ وَأَوْثَقُ مِنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ كَلاَمُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ إذَا ضَعَّفُوا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ وأما دَعْوَى ابْنِ مَعِينٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَعْفَ حَدِيثٍ رَوَاهُ الثِّقَاتُ‏,‏ أَوْ ادَّعَوْا فِيهِ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرُوا فِيهِ تَدْلِيسًا فَكَلاَمُهُمْ مَطْرُوحٌ مَرْدُودٌ‏;‏ لأَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏، وَلاَ مَغْمَزَ لأَِحَدٍ فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ‏;‏ فَمَنْ عَانَدَهُ فَقَدْ عَانَدَ الْحَقَّ‏,‏ وَأَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ وَأَمْرَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لاَ سِيَّمَا مَنْ يُحْتَجُّ فِي دِينِهِ بِالْمُرْسَلاَتِ‏,‏ وَبِرِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ‏.‏

وَرِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ الْكَذَّابِ الْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ ‏"‏ لاَ يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا ‏"‏ وَرِوَايَةِ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ الَّذِي لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي إسْقَاطِ الصَّلاَةِ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ بَعْدَ طُهْرِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَرِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حَدِيثٍ فِي إبَاحَةِ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ بِالْخَمْرِ وَبِكُلِّ نَطِيحَةٍ‏,‏ أَوْ مُتَرَدِّيَةٍ‏,‏ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ‏:‏ فِي مُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ‏,‏ ثُمَّ يَتَعَلَّلُ فِي السُّنَنِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَمْ يَأْتِ مَا يُعَارِضُهَا‏;‏ بَلْ عَمِلَ بِهَا الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَأْخُذُ‏:‏ الشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا وَقَدْ خَالَفَهُ قَوْمٌ فِي مَوَاضِعَ‏:‏ فَمِنْهَا‏:‏ إذَا بَلَغَتْ الإِبِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ‏,‏ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ‏,‏ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ‏;‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ‏;‏ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وَهَكَذَا أَيْضًا‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَقَدْ أَسْنَدَهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْحَارِثُ كَذَّابٌ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ وَأَبُو يُوسُفَ‏:‏ إذَا كَانَتْ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ ضِعَافٌ لاَ تُسَاوِي شَاةً أَعْطَى بَعِيرًا مِنْهَا وَأَجْزَأَهُ قَالُوا‏:‏ لأَِنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا أُبْقِي مِنْ الْمَالِ فَضْلاً‏,‏ لاَ فِيمَا أَجَاحَ الْمَالَ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ الْمَالِ فَكَيْفَ عَنْ اجْتِيَاحِهِ قال أبو محمد‏:‏ وقال مالك‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏,‏ وَغَيْرُهُمَا‏:‏ لاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ شَاةٌ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا هُوَ الْحَقُّ‏,‏ وَالْقَوْلُ الأَوَّلُ بَاطِلٌ وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَمَا ادَّعَوْا مِنْ حِيَاطَةِ الأَمْوَالِ وَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ، وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهَا‏;‏ فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الزَّكَاةَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ‏;‏ وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِي سَنَةِ مَجَاعَةٍ وَمَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ، وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الزَّكَاةَ وَرَأَوْا فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْجَوَاهِرِ‏,‏ وَالْوِطَاءِ‏,‏ وَالْغِطَاءِ‏,‏ وَالدُّورِ‏,‏ وَالرَّقِيقِ وَالْبَسَاتِينِ بِقِيمَةِ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ‏,‏ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وَقَالُوا فِيمَنْ لَهُ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاةٌ‏:‏ أَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْهَا كَمَا يُؤَدِّي مَنْ لَهُ ثَلَثُمِائَةِ شَاةٍ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ شَاةً فَإِنَّمَا نَقِفُ فِي النَّهْيِ وَالأَمْرِ عِنْدَمَا صَحَّ بِهِ نَصٌّ فَقَطْ وَهُمْ يَقُولُونَ فِي عَبْدٍ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ لِيَتِيمٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ سَرَقَ دِينَارًا‏;‏ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ فَتَتْلَفُ قِيمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي قِيمَةٍ يَسِيرَةٍ وَيُجَاحُ الْيَتِيمُ الْفَقِيرُ فِيمَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغَنِيِّ وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ إلاَّ رِوَايَةً خَامِلَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ‏:‏ إنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي قِيمَتَهَا‏,‏ وَلاَ يُؤَدِّي ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا وقال مالك‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ يُؤَدِّي ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ‏,‏ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَخْذِ ابْنِ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ الْمَخَاضِ إنَّمَا أَرَادَ بِالْقِيمَةِ‏;‏ فَيَا لِسُهُولَةِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِهَارًا عَلاَنِيَةً فَرَيْبُ الْفَضِيحَةِ عَلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ وَمَا فَهِمَ قَطُّ مَنْ يَدْرِي الْعَرَبِيَّةَ أَنْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ‏.‏

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ شَيْءٌ ‏"‏ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا أَمْرٌ مُخْجِلٌ جِدًّا‏,‏ وَبُعْدٌ عَنْ الْحَيَاءِ وَالدِّينِ وأما خِلاَفُهُمْ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ‏:‏ فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ، حدثنا قَالَ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَاصِمٍ‏,‏ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ فِي الإِبِلِ فِي خَمْسٍ شَاةٌ‏,‏ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ‏,‏ وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ‏;‏ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ عَلِيٍّ فَخَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ وَعَلِيًّا‏,‏ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ‏,‏ وَابْنَ عُمَرَ‏.‏

وَكُلَّ مَنْ بِحَضْرَتِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏:‏ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ‏,‏ وَخَالَفُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا‏.‏

وَبِقَوْلِنَا فِي هَذَا يَقُولُ‏:‏ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏,‏ وَمَالِكٌ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ‏,‏ وَاللَّيْثُ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏,‏ وَجُمْهُورُ النَّاسِ‏,‏ إلاَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَ دِينَهُ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذَا سَلَفًا أَصْلاً وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَعْوِيضِ سِنٍّ مِنْ سِنٍّ دُونِهَا أَوْ فَوْقَهَا عِنْدَ عَدَمِ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ وَرَدِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ‏:‏ لاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ بِالْقِيمَةِ‏,‏ وَأَجَازَ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ مِنْ الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا بَدَلَ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِأَخْذِهِ فِيهَا مُمْكِنًا وقال مالك‏:‏ لاَ يُعْطِي إلاَّ مَا عَلَيْهِ‏.‏

وَلَمْ يَجُزْ إعْطَاءَ سِنٍّ مَكَانَ سِنٍّ بِرَدِّ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وقال الشافعي بِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ نَصًّا‏,‏ إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنْ عُدِمَتْ السِّنُّ الْوَاجِبَةُ‏,‏ وَاَلَّتِي تَحْتَهَا‏,‏ وَاَلَّتِي فَوْقَهَا‏,‏ وَوُجِدَتْ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ‏;‏ فَإِنَّهُ يُعْطِيهَا وَيَرُدُّ إلَيْهِ السَّاعِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا‏,‏ أَوْ أَرْبَعَ شِيَاهٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدْ إلاَّ الَّتِي تَحْتَهَا بِدَرَجَةٍ فَإِنَّهُ يُعْطِيهَا وَيُعْطِي مَعَهَا أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَ شِيَاهٍ‏;‏ فَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَمْ يَجِدْ إلاَّ جَذَعَةً فَإِنَّهُ يُعْطِيهَا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ السَّاعِي سِتِّينَ دِرْهَمًا أَوْ سِتَّ شِيَاهٍ‏;‏ فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَلَمْ يَجِدْ إلاَّ بِنْتَ مَخَاضٍ أَعْطَاهَا وَأَعْطَى مَعَهَا سِتِّينَ دِرْهَمًا أَوْ سِتَّ شِيَاهٍ وَأَجَازُوا كُلُّهُمْ إعْطَاءَ أَفْضَلَ مِمَّا لَزِمَهُ مِنْ الأَسْنَانِ‏,‏ إذَا تَطَوَّعَ بِذَلِكَ وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ كَمَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ‏:‏ مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ‏:‏ أَنْ يَقُولُوا بِهِ وأما قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّهُ قَاسَ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ فِيهِ‏,‏ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ‏,‏ وَكَانَ يَلْزَمُهُ عَلَى قِيَاسِهِ هَذَا إذَا رَأَى فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ‏,‏ وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةَ‏,‏ وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ‏:‏ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي إتْلاَفِ النَّفْسِ دِيَاتٌ كُلُّ مَا فِي الْجِسْمِ مِنْ الأَعْضَاءِ‏,‏ لأَِنَّهَا بَطَلَتْ بِبُطْلاَنِ النَّفْسِ‏,‏ وَكَانَ يَلْزَمُهُ إذْ رَأَى فِي السَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ أَنْ يَرَى فِي سَهْوَيْنِ فِي الصَّلاَةِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَفِي ثَلاَثَةِ أَسْهَاءٍ سِتَّ سَجَدَاتٍ وَأَقْرَبُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ‏,‏ إذَا عَدِمَ التَّبِيعَ وَجَدَ الْمُسِنَّةَ أَنْ يُقَدِّرَ فِي ذَلِكَ تَقْدِيرًا‏;‏ وَلَكِنَّهُ لاَ يَقُولُ بِهَذَا‏,‏ فَقَدْ نَاقَضَ قِيَاسَهُ وأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ فَخِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلصَّحَابَةِ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً‏,‏ إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ هَذَا بَيْعٌ مَا لَمْ يُقْبَضْ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَخَطَأٌ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا أَصْلاً وَلَكِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَعْوِيضِ سِنٍّ‏,‏ مَعَهَا شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا مِنْ سِنٍّ أُخْرَى‏;‏ كَمَا عَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا مِنْ رَقَبَةٍ تُعْتَقُ فِي الظِّهَارِ‏,‏ وَكَفَّارَةِ الْوَاطِئِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلْيَقُولُوا هَاهُنَا‏:‏ إنَّ هَذَا بَيْعٌ لِلرَّقَبَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ مَا لَمْ يُقْبَضْ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَيْثُ لاَ يَحِلُّ وَهُوَ تَجْوِيزُ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْذَ الْقِيمَةِ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ‏,‏ فَلَمْ يُنْكِرْ أَصْحَابُهُ الْبَاطِلَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَنْكَرُوا الْحَقَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْمُبِينُ وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ إلاَّ فِي الطَّعَامِ‏,‏ لاَ فِيمَا سِوَاهُ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ السُّنَنَ وَالصَّحَابَةَ رضي الله عنهم فأما الصَّحَابَةُ‏;‏ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ‏.‏

وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا تَعْوِيضٌ‏,‏ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ كَمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ السِّنُّ الَّتِي دُونَهَا أُخِذَتْ الَّتِي فَوْقَهَا‏,‏ وَرَدَّ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ شَاتَيْنِ أَوْ عَشْرَ دَرَاهِمَ‏.‏

وَلاَ يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ‏;‏ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَيْهِمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ إذَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَوْ فَوْقَ سِنٍّ كَانَ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ‏.‏

قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ وَلَيْسَ هَذَا إلاَّ فِي الإِبِلِ‏:‏ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ إنْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا‏;‏ وَإِنْ أَخَذَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وأما إجَازَتُهُمْ الْقِيمَةَ أَوْ أَخْذَ سِنٍّ أَفْضَلَ مِمَّا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ‏:‏ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ لاَِهْلِ الْيَمَنِ‏:‏ ائْتُونِي بِعَرْضٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ‏;‏ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لاَِهْلِ الْمَدِينَةِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَوَّلُهَا‏:‏ أَنَّهُ مُرْسَلٌ‏,‏ لأَِنَّ طَاوُسًا لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، وَلاَ وُلِدَ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ مُعَاذٍ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيمَا جَاءَ عَنْهُ عليه السلام‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ‏;‏ فَالْكَذِبُ لاَ يَجُوزُ‏,‏ وَقَدْ يُمْكِنُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ لاَِهْلِ الْجِزْيَةِ‏,‏ وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ‏:‏ الذُّرَةَ‏,‏ وَالشَّعِيرَ‏,‏ وَالْعَرْضَ‏:‏ مَكَانَ الْجِزْيَةِ‏.‏

وَالرَّابِعُ‏:‏ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى بُطْلاَنِ هَذَا الْخَبَرِ مَا فِيهِ مِنْ قَوْلِ مُعَاذٍ ‏"‏ خَيْرٌ لاَِهْلِ الْمَدِينَةِ ‏"‏ وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَقُولَ مُعَاذٌ هَذَا‏,‏ فَيَجْعَلُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا مِمَّا أَوْجَبَهُ وَذَكَرُوا أَيْضًا‏:‏ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ‏:‏ أُخْبِرْت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ‏:‏ أَنْ لاَ يَأْخُذَ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَجِدْ فِي إبِلِهِ السِّنَّ الَّتِي عَلَيْهِ إلاَّ تِلْكَ السِّنَّ مِنْ شَرْوَى إبِلِهِ‏,‏ أَوْ قِيمَةِ عِدْلٍ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ‏,‏ لأَِنَّ ابْنَ جُرَيْحٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيَّ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ حُجَّةَ فِيمَا جَاءَ عَمَّنْ دُونَهُ‏,‏ وَقَدْ أَتَيْنَاهُمْ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا فِي أَخْذِ الشَّاتَيْنِ أَوْ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ‏,‏ فَلْيَقُولُوا بِهِ إنْ كَانَ قَوْلُ عُمَرَ حُجَّةً‏;‏ وَإِلاَّ فَالتَّحَكُّمُ لاَ يَجُوزُ وَالرَّابِعُ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ لَوْ صَحَّ عَنْهُ ‏"‏ أَوْ قِيمَةَ عَدْلٍ ‏"‏ هُوَ مَا بَيْنَهُ فِي مَكَان آخَرَ مِنْ تَعْوِيضِ الشَّاتَيْنِ أَوْ الدَّرَاهِمَ‏,‏ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لاَ عَلَى التَّضَادِّ وَذَكَرُوا حَدِيثًا مُنْقَطِعًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ خُذْ النَّابَ‏,‏ وَالشَّارِفَ وَالْعَوَارِيَّ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ مُرْسَلٌ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ فِي آخِرِهِ ‏"‏، وَلاَ أَعْلَمُهُ إلاَّ كَانَتْ الْفَرَائِضُ بَعْدُ ‏"‏ فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِنَقْلِ رِوَايَةٍ فِيهِ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ‏,‏ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ‏:‏ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا‏,‏ فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ فَجَمَعَ لِي مَالَهُ‏,‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ أَدِّ ابْنَةَ مَخَاضٍ‏,‏ فَإِنَّهَا صَدَقَتُكَ‏,‏ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ مَا لاَ لَبَنَ فِيهِ، وَلاَ ظَهْرَ‏,‏ وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ‏,‏ فَخُذْهَا‏,‏ فَقُلْتُ‏:‏ مَا أَنَا بِآخِذٍ مَا لَمْ أُؤْمَرْ بِهِ‏,‏ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرِيبٌ مِنْكَ‏,‏ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ عَرَضْتُ عَلَى مُصَدِّقِكَ نَاقَةً فَتِيَّةً عَظِيمَةً يَأْخُذُهَا‏,‏ فَأَبَى عَلَيَّ‏,‏ وَهَا هِيَ ذِهِ‏,‏ قَدْ جِئْتُكَ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْكَ‏,‏ فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ أَجَرَكَ اللَّهُ وَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ‏,‏ وَأَمَرَ عليه السلام بِقَبْضِهَا‏,‏ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَوَّلُهَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ‏;‏ لأَِنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ‏,‏ وَعُمَارَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ‏;‏ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ أَخُو عَمْرٍو رضي الله عنهما‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏,‏ لأَِنَّ فِيهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ لَمْ يَسْتَجِزْ أَخْذَ نَاقَةٍ فَتِيَّةٍ عَظِيمَةٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ‏,‏ وَرَأَى ذَلِكَ خِلاَفًا لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَرَ مَا يَرَاهُ هَؤُلاَءِ مِنْ التَّعَقُّبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِآرَائِهِمْ وَنَظَرِهِمْ‏,‏ وَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّهُ الْحَقُّ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَخْذُ نَاقَةٍ عَظِيمَةٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ فَقَطْ‏,‏ وأما إجَازَةُ الْقِيمَةِ فَلاَ أَصْلاً‏.‏

وَاحْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ‏.‏

وَالآخَرُ‏:‏ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لِلْمُصَدِّقِ أَعْلِمْهُ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ‏;‏ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ فَاقْبَلْهُ مِنْهُ‏.‏

وَهَذَانِ مُرْسَلاَنِ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا حُجَّةٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ بِأَخْذِ غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَلاَ يَأْخُذُ قِيمَةً‏,‏ وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ أَنْ يُعْطِيَ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ العرزمي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ عَلِيًّا سَاعِيًا قَالُوا‏:‏ لاَ نُخْرِجُ لِلَّهِ إلاَّ خَيْرَ أَمْوَالِنَا‏,‏ فَقَالَ‏:‏ مَا أَنَا بِعَادِي عَلَيْكُمْ السُّنَّةَ‏.‏

وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ‏:‏ ارْجِعْ إلَيْهِمْ فَبَيِّنِ لَهُمْ مَا عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ‏,‏ فَمَنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِفَضْلٍ فَخُذْهُ مِنْهُ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ لأَِنَّهُ مُرْسَلٌ‏,‏ ثُمَّ إنَّ رَاوِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيِّ‏,‏ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ثُمَّ إنَّ فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ سَاعِيًا وَهَذَا بَاطِلٌ‏,‏ مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَطُّ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَاعِيًا‏,‏ وَقَدْ طَلَبَ ذَلِكَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ فَمَنَعَهُ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً‏;‏ لأَِنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ أَرَادُوا إعْطَاءَ أَفْضَلَ أَمْوَالِهِمْ مُخْتَارِينَ‏,‏ وَهَذَا لاَ لِمَنْعِهِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمُزَكِّي بِإِعْطَاءِ أَكْرَمَ شَاةٍ عِنْدَهُ وَأَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ تِلْكَ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ‏;‏ وَلَيْسَ فِيهِ إعْطَاءُ سِنٍّ مَكَانَ غَيْرِهَا أَصْلاً‏,‏ وَلاَ دَلِيلَ عَلَى قِيمَةٍ أَلْبَتَّةَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي الَّذِي أَعْطَى فِي صَدَقَةِ مَالِهِ فَصِيلاً مَخْلُولاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ‏,‏ وَلاَ فِي إبِلِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ‏,‏ فَجَاءَ بِنَاقَةٍ فَذَكَرٍ مِنْ جَمَالِهَا وَحُسْنِهَا‏,‏ وَقَالَ‏:‏ أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى نَبِيِّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي إبِلِهِ‏.‏

وَقَالَ أبو محمد‏:‏ هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّ الْفَصِيلَ لاَ يُجْزِئُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَةِ بِلاَ شَكٍّ‏,‏ وَنَاقَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ قَدْ تَكُونُ جَذَعَةً وَقَدْ تَكُونُ حِقَّةً‏;‏ فَأَعْطَى مَا عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ مَا قُدِّرَ‏;‏ وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى إعْطَاءِ غَيْرِ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى الْقِيمَةِ أَصْلاً وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ‏:‏ اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ‏,‏ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْتُ‏:‏ لَمْ أَجِدْ فِي الإِبِلِ إلاَّ جَمَلاً خِيَارًا رَبَاعِيًا‏,‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْطِهِ إيَّاهُ‏,‏ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ الْجَمَلَ أُخِذَ فِي زَكَاةٍ وَاجِبَةٍ بِعَيْنِهِ‏,‏ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَبْتَاعَهُ الْمُصَدِّقُ بِبَعْضِ مَا أَخَذَ فِي الصَّدَقَةِ‏,‏ فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ‏.‏

وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرٌ يَحْتَجُّونَ بِدُونِهِ‏,‏ وأما نَحْنُ فَلَسْنَا نُورِدُهُ مُحْتَجِّينَ بِهِ‏,‏ لَكِنْ تَذْكِيرًا لَهُمْ وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الصُّنَابِحِ الأَحْمَسِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ نَاقَةً فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ‏,‏ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَقَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ‏:‏ إنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الإِبِلِ‏;‏ فَقَالَ‏:‏ فَنَعَمْ إذَنْ‏.‏

وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الإِبِلُ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ‏,‏ فَلِمَا أَمْكَنَ كُلُّ ذَلِكَ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ جَمَلٌ رَبَاعٍ أَصْلاً لَمْ يَحِلَّ تَرْكَ الْيَقِينِ لِلظُّنُونِ‏,‏ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ ‏"‏الإِيصَالِ‏"‏، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الْبَكْرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَقْضِيه مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ‏,‏ وَالصَّدَقَةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ خِلاَفَ‏,‏ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ‏:‏ الصَّدَقَةُ لاَ تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلاَ لاِلِ مُحَمَّدٍ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَسْلَفَهُ لِغَيْرِهِ‏,‏ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ‏,‏ فَصَارَ الَّذِي أَخَذَ الْبَكْرَ مِنْ الْغَارِمِينَ‏,‏ لأَِنَّ السَّلَفَ فِي ذِمَّتِهِ‏,‏ وَهُوَ أَخَذَهُ‏,‏ فَإِذْ هُوَ مِنْ الْغَارِمِينَ فَقَدْ صَارَ حَظُّهُ فِي الصَّدَقَةِ‏;‏ فَقُضِيَ عَنْهُ مِنْهَا‏,‏ لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

وَكَذَلِكَ أَيْضًا لاَ نَشُكُّ أَنَّ الَّذِي كَانَ يَسْتَقْرِضُ مِنْهُ الْبَكْرَ كَانَ مِنْ بَعْضِ أَصْنَافِ الصَّدَقَةِ‏,‏ وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَقِّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَضْلاً عَلَى حَقِّهِ قال أبو محمد‏:‏ وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَمَا اسْتَقْرَضَ عليه السلام عَلَى الصَّدَقَةِ وَانْتَظَرَ حَتَّى يَحِينَ وَقْتُهَا‏;‏ بَلْ كَانَ يَسْتَعْجِلُ صَدَقَةً مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ‏;‏ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عليه السلام صَحَّ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ أَدَاءُ صَدَقَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ فَبَطَل كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ‏,‏ وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا احْتَجُّوا بِهِ لَيْسَ فِيهِ إجَازَةُ إعْطَاءِ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ، وَلاَ غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَحْدُودَةِ فِيهَا‏.‏

وأما الْقِيمَةُ فَلاَ دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى جَوَازِهَا أَصْلاً‏,‏ بَلْ الْ بُرْهَانُ ثَابِتٌ بِتَحْرِيمِ أَخْذِهَا‏,‏ لأَِنَّهَا غَيْرُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ‏,‏ وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏}‏‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنْ كَانَ نَظَرًا لاَِهْلِ الصَّدَقَةِ فَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ قلنا‏:‏ النَّظَرُ كُلُّهُ لاَِهْلِ الصَّدَقَةِ أَنْ لاَ يُعْطُوا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ‏,‏ إذْ يَقُولُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ مَالِ أَحَدٍ إلاَّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ‏,‏ أَوْ أَوْجَبَهُ فِيهِ فَقَطْ‏,‏ وَمَا أَبَاحَ تَعَالَى قَطُّ أَخْذَ قِيمَةٍ عَنْ زَكَاةٍ افْتَرَضَهَا بِعَيْنِهَا وَصِفَتِهَا وَمَا نَدْرِي فِي أَيِّ نَظَرٍ مَعْهُودٍ بَيْنَنَا وَجَدُوا أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْ صَاحِبِ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ لاَ تَقُومُ بِهِ‏,‏ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِمَّنْ لاَ يَمْلِكُ إلاَّ وَرْدَةً وَاحِدَة أَخْرَجَتْهَا قِطْعَةُ أَرْضٍ لَهُ‏:‏ وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ جَوَاهِرَ وَرَقِيقٍ وَدُورٍ بِقِيمَةِ مِائَةِ أَلْفٍ، وَلاَ مِنْ صَاحِبِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةً‏,‏ وَتِسْعٍ وَثَلاَثِينَ شَاةً‏,‏ وَخَمْسِ أَوَاقٍ غَيْرِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ فَهَلْ فِي هَذَا كُلِّهِ إلاَّ اتِّبَاعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ وَقَدْ جَاءَ قَوْلُنَا عَنْ السَّلَفِ‏,‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ ‏"‏ سِرْت أَوْ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَنْ سَارَ مَعَ مُصَدِّقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَمَدَ رَجُلٌ إلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ‏.‏

فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا‏;‏ فَقَالَ‏:‏ إنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ خَيْرَ إبِلِي فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا فَخَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا فَقَبِلَهَا‏,‏ وَقَالَ‏:‏ إنِّي لاَخُذُهَا وَأَخَافُ أَنْ يَجِدَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ عَمَدْت إلَى رَجُلٍ فَتَخَيَّرْت عَلَيْهِ إبِلَهُ ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ‏:‏ أُخْبِرْت أَنَّك تَقُولُ‏:‏ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي أَبَاهُ إذَا لَمْ تَجِدُوا السِّنَّ فَقِيمَتُهَا قَالَ‏:‏ مَا قُلْته قَطُّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَقَالَ لِي عَطَاءٌ‏:‏ لاَ يَخْرُجُ فِي الصَّدَقَةِ صَغِيرٌ، وَلاَ ذَكَرٌ، وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ، وَلاَ هَرِمَةٌ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ ذَكَرٌ مَكَانَ أُنْثَى إلاَّ ابْنُ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَمَنْ ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ ثُمَّ أَعْطَاهُ مُذَكًّى لَمْ يَجُزْ عَنْهُ‏;‏ لأَِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهُ حَيًّا، وَلاَ يَقَعُ عَلَى الْمُذْكِي اسْمُ شَاةٍ مُطْلَقَةٍ، وَلاَ اسْمُ بَقَرَةٍ مُطْلَقَةٍ‏,‏ وَلاَ اسْمُ بِنْتِ مَخَاضٍ مُطْلَقَةٍ‏,‏ وَقَدْ وَجَبَ لاَِهْلِ الصَّدَقَةِ حَيًّا‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهِ فَإِذَا قَبَضَهُ أَهْلُهُ أَوْ الْمُصَدِّقُ فَقَدْ أَجْزَأَ‏,‏ وَجَازَ لِلْمُصَدِّقِ حِينَئِذٍ بَيْعُهُ‏,‏ إنْ رَأَى ذَلِكَ حَظًّا لاَِهْلِ الصَّدَقَةِ‏;‏ لأَِنَّهُ نَاظِرٌ لَهُمْ وَلَيْسُوا قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ‏,‏ فَيَجُوزُ حُكْمُهُمْ فِيهِ‏,‏ أَوْ إبْرَاؤُهُمْ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِمْ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ حِقَّتَانِ إلَى أَنْ تَصِيرَ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ ثَلاَثٌ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَلاَ بُدَّ إلَى أَنْ تَصِيرَ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَيَجِبُ فِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ ثُمَّ كُلَّمَا زَادَتْ عَشَرَةً كَانَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏,‏ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ أَيَّ الصِّفَتَيْنِ أَدَّى أَجْزَأَهُ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلاَثِينَ‏,‏ فَيَجِبُ فِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ‏,‏ وَهَكَذَا كُلَّمَا زَادَتْ عَشْرًا فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏,‏ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وقال أبو حنيفة‏,‏ وَأَصْحَابُهُ‏:‏ لَيْسَ فِيمَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلاَّ حِقَّتَانِ فَقَطْ‏;‏ حَتَّى تُتِمَّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَيَجِبُ فِيهَا حِقَّتَانِ وَشَاةٌ إلَى ثَلاَثِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ‏,‏ إلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَثَلاَثُ شِيَاهٍ‏;‏ إلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَأَرْبَعُ شِيَاهٍ‏;‏ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ‏,‏ إلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ‏,‏ وَهَكَذَا أَبَدًا‏,‏ إذَا زَادَتْ عَلَى الْخَمْسِينَ وَمِائَةٍ خَمْسًا فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ وَشَاةٍ‏,‏ ثُمَّ كَمَا ذَكَرْنَا‏;‏ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ الثَّلاَثِ حِقَاقٍ‏,‏ إلَى أَنْ تَصِيرَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَيَجِبُ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَثَلاَثُ حِقَاقٍ‏;‏ إلَى سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْهَا كَانَتْ فِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ إلَى سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ إلَى أَنْ تَكُونَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَشَاةٌ‏;‏ وَهَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ خَمْسِينَ زَادَ حِقَّةً‏,‏ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ تَزْكِيَتَهَا بِالْغَنَمِ‏,‏ ثُمَّ بِبِنْتِ الْمَخَاضِ ثُمَّ بِبِنْتِ اللَّبُونِ ثُمَّ الْحِقَّةِ قال أبو محمد‏:‏ فأما مَنْ رَأَى الْحِقَّتَيْنِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ إلَى أَنْ تَصِيرَ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏"‏ إنَّ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ‏:‏ أَنَّ الإِبِلَ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً ‏"‏‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا مُرْسَلٌ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ ‏,‏ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَجْهُولٌ وَنَحْنُ نَأْتِيهِمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا‏,‏ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ هُوَ أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حدثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ‏.‏

هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ‏,‏ وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ قَالَ‏:‏ أَقْرَأَنِي إيَّاهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا‏,‏ وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمُ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَفِيهِ فِي الإِبِلِ إذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى ثَلاَثِينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَتْهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

وَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا أَتَوْنَا بِهِ‏,‏ وَهَذَا هُوَ كِتَابُ عُمَرَ حَقًّا‏;‏ لاَ تِلْكَ الْمَكْذُوبَةُ‏.‏

وَ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا سَحْنُونٌ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ‏:‏ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَتَبَ فِي الصَّدَقَةِ‏,‏ وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا وَهِيَ الَّتِي نَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ سَالِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ أُمِّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ‏,‏ وَأَمَرَ عُمَّالَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَا وَقَالُوا أَيْضًا‏:‏ قَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ ‏"‏ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ ‏"‏ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَهِيَ أَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ‏,‏ وَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ صَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيُّ، حدثنا عُبَادٍ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَ الصَّدَقَةِ‏,‏ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ‏,‏ وَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ‏,‏ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ‏,‏ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ‏,‏ فَكَانَ فِيهِ‏:‏ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَفِيهِ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏,‏ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏.‏

وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَصِحُّ غَيْرُهُ‏,‏ وَلَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الأَخْبَارُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إلاَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ لَكَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ الصَّحِيحَانِ زَائِدَيْنِ عَلَيْهَا حُكْمًا فِي أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏;‏ فَتِلْكَ غَيْرُ مُخَالِفَةٍ لِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ‏,‏ وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى تِلْكَ‏;‏ فَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُمَا‏,‏ وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ لِمَا وَجَبَ فِي الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ‏,‏ ثُمَّ وَجَدْنَا الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لاَ حُكْمَ لَهَا فِي نَفْسِهَا‏,‏ إذْ كُلُّ أَرْبَعِينَ قَبْلهَا فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ عَلَى قَوْلِكُمْ‏;‏ إذْ تَجْعَلُونَ فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ‏:‏ فَإِذَا لاَ حُكْمَ لَهَا فِي نَفْسِهَا فَأَحْرَى أَنْ لاَ يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ فِي غَيْرِهَا‏,‏ فَكُلُّ زِيَادَةٍ قَبْلَهَا تَنْقُلُ الْفَرْضَ فَلَهَا حِصَّةٌ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَهَذِهِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا بِكَلاَمِ الْمَمْرُورِينَ‏,‏ أَوْ بِكَلاَمِ الْمُسْتَخِفِّينَ بِالدِّينِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِكَلاَمِ مَنْ يَعْقِلُ وَيَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ لأَِنَّهُ كَلاَمٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ‏,‏ وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ‏,‏ وَلاَ أَثَرٌ عَنْ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ‏,‏ وَلاَ قِيَاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهُ يُفْهَمُ ثُمَّ يُقَالُ‏:‏ قَدْ كَذَبْتَ فِي وَسْوَاسِك هَذَا أَيْضًا‏;‏ لأَِنَّ كُلَّ أَرْبَعِينَ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لاَ تَجِبُ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أَصْلاً‏,‏ وَلاَ تَجِبُ فِيهَا مُجْتَمِعَةً ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهَا حِقَّتَانِ فَقَطْ‏,‏ حَتَّى إذَا زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَةً فَصَاعِدًا إلَى أَنْ تُتِمَّ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَحِينَئِذٍ وَجَبَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ مَعَ الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَتْ ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَتِلْكَ الزِّيَادَةُ غَيَّرَتْ فَرْضَ مَا قَبْلَهَا‏,‏ وَصَارَ لَهَا أَيْضًا فِي نَفْسِهَا حِصَّةٌ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ‏,‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏,‏ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَوَجَبَ فِي الْمِائَةِ حِينَئِذٍ حِقَّتَانِ وَلَمْ يَجُزْ تَعْطِيلُ النَّيِّفِ وَالْعِشْرِينَ الزَّائِدَةِ فَلاَ تُزَكَّى‏,‏ وَحُكْمُهَا فِي الزَّكَاةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ‏,‏ وَمُمْكِنٌ إخْرَاجُهَا فِيهِ‏,‏ فَوَجَبَتْ الثَّلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ‏,‏ وَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ وأما قَوْلُ مَالِكٍ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ إخْرَاجِ حِقَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثِ بَنَاتِ‏,‏ لَبُونٍ فَخَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلنَّيِّفِ وَالْعِشْرِينَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَةِ‏;‏ فَلاَ تَخْرُجُ زَكَاتُهَا وَهَذَا لاَ يَجُوزُ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَجَعَلَ فِيهَا حِقَّتَيْنِ‏.‏

بِنَصِّ كَلاَمِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي زَكَاةِ الإِبِلِ وَبَيْنَ حُكْمِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ‏,‏ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ حُكْمَيْنِ فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ مَالِكٍ قَالَ بِهَذَا التَّخْيِيرِ‏.‏

وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَآلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ وأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ فَإِنَّهُ احْتَجَّ أَصْحَابُهُ لَهُ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ‏:‏ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ كِتَابًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كَتَبَ لِجَدِّهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ذِكْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَرَائِضِ الإِبِلِ‏:‏ إذَا كَانَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ‏,‏ إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَثَلاَثِينَ‏,‏ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا حِقَّةٌ‏,‏ إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ‏;‏ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَفِيهَا جَذَعَةٌ‏,‏ إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ‏;‏ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ‏,‏ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعُدَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏;‏ فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ لَيْسَ فِيهَا ذَكَرٌ، وَلاَ هَرِمَةٌ، وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ مِنْ الْغَنَمِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى ذِكْرِ زَكَاةِ الْغَنَمِ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ وَفِي الإِبِلِ إذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ‏,‏ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فِي الإِبِلِ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ إلَى أَنْ ذَكَرَ التِّسْعِينَ فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَاعْدُدْ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً‏,‏ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ‏.‏

وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الإِبِلِ قَالَ‏:‏ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَبِحِسَابِ الأَوَّلِ‏,‏ وَتُسْتَأْنَفُ لَهَا الْفَرَائِضُ قال أبو محمد‏:‏ وَبِقَوْلِهِمْ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ‏,‏ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالُوا‏:‏ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا مُسْنَدٌ وَاحْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى هُوَ مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ‏:‏ جَاءَ نَاسٌ إلَى أَبِي فَشَكَوْا‏:‏ سُعَاةَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ‏;‏ فَقَالَ أَبِي‏:‏ أَيْ بُنَيَّ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَاذْهَبْ بِهِ إلَى عُثْمَانَ وَقُلْ لَهُ‏:‏ إنَّ نَاسًا مِنْ النَّاسِ شَكَوْا سُعَاتَك‏,‏ وَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَرَائِضِ‏:‏ فَأْمُرْهُمْ فَلْيَأْخُذُوا بِهِ قَالَ‏:‏ فَانْطَلَقْتُ بِالْكِتَابِ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه فَقُلْت‏:‏ إنَّ أَبِي أَرْسَلَنِي إلَيْك‏,‏ وَذَكَرَ أَنَّ نَاسًا مِنْ النَّاسِ شَكَوْا سُعَاتَك‏,‏ وَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَرَائِضِ‏,‏ فَمُرْهُمْ فَلْيَأْخُذُوا بِهِ فَقَالَ‏:‏ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي كِتَابِك‏;‏ فَرَجَعْتُ إلَى أَبِي فَأَخْبَرْته فَقَالَ‏:‏ أَيْ بُنَيَّ‏,‏ لاَ عَلَيْك‏,‏ أُرْدِدْ الْكِتَابَ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَلَوْ كَانَ ذَاكِرًا عُثْمَانَ بِشَيْءٍ لَذَكَرَهُ بِسُوءٍ‏;‏ وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْكِتَابِ مَا كَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُظَنَّ بِعَلِيٍّ رضي الله عنه أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِغَيْرِ مَا فِي كِتَابِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَادَّعَوْا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏;‏ وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ‏,‏ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُمَوِّهَ بِهِ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ‏,‏ أَوْ مَنْ لاَ تَقْوَى لَهُ‏,‏ وأما الْهَذَرُ وَالتَّخْلِيطُ فَلاَ نِهَايَةَ لَهُ فِي الْقُوَّةِ قال أبو محمد‏:‏ وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً أَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ‏,‏ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ‏:‏ فَمُرْسَلاَنِ لاَ تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً أَمَّا طَرِيقُ مَعْمَرٍ فَإِنَّ الَّذِي فِي آخِرِهِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ ‏"‏ فَإِنَّمَا هُوَ حُكْمُ ابْتِدَاءِ فَرَائِضِ الإِبِلِ‏.‏

وَلَمْ يَسْتَحْيِ عَمِيدٌ مِنْ عُمُدِهِمْ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَرَّتَيْنِ جِهَارًا‏:‏ إحْدَاهُمَا‏:‏ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ فِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ تَزْكِيَةِ الإِبِلِ بِالْغَنَمِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ كَرَّرَهُ قال أبو محمد‏:‏ وَقَدْ كَذَبَ فِي هَذَا عَلاَنِيَةً وَأَعْمَاهُ الْهَوَى وَأَصَمَّهُ وَلَمْ يَسْتَحِي وَمَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ فِي أَوَّلِ كَلاَمِهِ فِي فَرَائِضِ الإِبِلِ إلاَّ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَصَاعِدًا وَذَكَرَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ حُكْمَ تَزْكِيَتِهَا بِالْغَنَمِ إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَوَّلاً وَالْمَوْضُوعُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ جَاهَرَ بِالْكَذِبِ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏"‏ وَهَذَا كَذِبٌ‏,‏ مَا رَوَاهُ ذَلِكَ مَعْمَرٌ إلاَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ‏;‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُ هَذَا لَمَا أَخْرُجهُ عَنْ الإِرْسَالِ‏;‏ لأَِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ احْتِجَاجُهُ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِمَا مِنْهُ شَيْءٌ‏,‏ وَهُوَ يُخَالِفُهُمَا فِيمَا فِيهِمَا مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ أَفَلاَ يَعُوقُ الْمَرْءَ مُسَكَةٌ مِنْ الْحَيَاءِ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ زَادُوا كَذِبًا وَجُرْأَةً وَفُحْشًا فَقَالُوا‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ إنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ إنَّمَا أَرَادَ بِقِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَهَذَا كَذِبٌ بَارِدٌ سَمْجٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ‏:‏ مَا أَرَادَ إلاَّ ابْنَ لَبُونٍ أَصْهَبَ‏,‏ أَوْ فِي أَرْضِ نَجْدٍ خَاصَّةً وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَصْلاً أَنْ يُرِيدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَوِّضَ مِمَّا عُدِمَ بِالْقِيمَةِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ ابْنِ لَبُونٍ ذَكَرٌ أَيْضًا خَاصَّةً وَالْعَجَبُ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فِي تَقْوِيلِهِمْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ وَإِحَالَةِ كَلاَمِهِ إلَى الْهَوَسِ وَالْغَثَاثَةِ وَالتَّلْبِيسِ، وَلاَ يَسْتَجِيزُونَ إحَالَةَ لَفْظَةٍ مِنْ كَلاَمِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُقْتَضَاهَا وَاَللَّهُ لاَ فَعَلَ هَذَا مَوْثُوقٌ بِعَقْدِهِ وَلَقَدْ صَدَقَ الأَئِمَّةُ الْقَائِلُونَ‏:‏ إنَّهُمْ يَكِيدُونَ الإِسْلاَمَ وَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ هَلاَّ حَمَلْتُمْ مَا أَخَذْتُمْ بِهِ مِمَّا لاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ أَنَّ جُعْلَ الآبِقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا‏:‏ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ قِيمَةَ تَعَبِ ذَلِكَ الَّذِي رَدَّ ذَلِكَ الآبِقَ فَقَطْ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ أَوْلَى وَأَصَحَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إيجَابِ شَرِيعَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

كَمَا لَمْ يَتَعَدَّوْا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ أَنَّ الْبَيْتَ خَمْسُونَ دِينَارًا وَالْعَبْدَ أَرْبَعُونَ دِينَارًا‏;‏ فَتَوَقَّوْا مُخَالَفَةَ خَطَأِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّقْوِيمِ‏,‏ وَلَمْ يُبَالُوا بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْكَذِبِ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُمْ حَدُّهُ عَلَى التَّقْوِيمِ وَأَيْضًا فَإِنَّنَا قَدْ أَوْجَدْنَاهُمْ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ

حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَابُلِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حدثنا أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ وَمُحَمَّدُ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ جَدِّهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ أَمَّرَهُ الْيَمَنَ‏,‏ وَفِيهِ الزَّكَاةُ‏,‏ فَذَكَرُهُ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَتْ الذَّهَبَ قِيمَةَ مِائَتِي دِرْهَمٍ فَفِي قِيمَةِ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ حِينَ تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا‏.‏

فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ صَحِيفَةُ ابْنِ حَزْمٍ بَعْضُهَا حُجَّةٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ‏,‏ وَهَذِهِ صِفَةُ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ‏.‏

وأما طَرِيقُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَمُرْسَلَةٌ أَيْضًا‏,‏ وَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي طَرِيقِ مَعْمَرٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّا جَمِيعًا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا مَا قَالُوا بِهِ أَصْلاً‏,‏ لأَِنَّ نَصَّ رِوَايَةِ حَمَّادٍ ‏"‏ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏;‏ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعُدَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً‏,‏ فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ ‏"‏ هَذَا عَلَى أَنْ تُعَادَ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالْغَنَمِ كَمَا ادَّعَوْا وَيَحْتَمِلُ هَذَا اللَّفْظُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْحُكْمَ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ فِي أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ لأَِنَّ فِي أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي ثَمَانِينَ بِنْتَيْ لَبُونٍ‏;‏ فَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِهِمْ الْكَاذِبِ الْفَاسِدِ الْمُسْتَحِيلِ‏.‏

وأما حَمْلُهُمْ مَا رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُسْنَدُ احْتِجَاجِهِمْ فِي ذَلِكَ بِوُجُوبِ حُسْنِ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ يُحَدِّثُ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فَقَوْلُ لَعَمْرِي صَحِيحٌ إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلِيٌّ بِأَوْلَى بِحُسْنِ الظَّنِّ مِنَّا مِنْ عُثْمَانَ رضي الله عنهما مَعًا‏,‏ وَالْفَرْضُ عَلَيْنَا حُسْنُ الظَّنِّ بِهِمَا‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ سَلَكُوا سَبِيلَ إخْوَانِهِمْ مِنْ الرَّوَافِضِ وَنَحْنُ نَقُولُ‏:‏ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَاءَ الظَّنُّ بِعَلِيٍّ رضي الله عنه فِي أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ يُحَدِّثُ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ يَتَعَمَّدُ خِلاَفَ رِوَايَتِهِ عَنْهُ عليه السلام‏:‏ فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَاءَ الظَّنُّ بِعُثْمَانَ رضي الله عنه‏;‏ فَيُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ‏:‏ لاَ حَاجَةَ لَنَا بِهِ‏;‏ لَوْلاَ أَنَّ عُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّ مَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ مَنْسُوخٌ مَا رَدَّهُ‏,‏ وَلاَ أَعْرَضَ عَنْهُ‏,‏ لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِنَسْخِهِ‏,‏ وَكَانَ عِنْدَ عُثْمَانَ نَسْخُهُ فَنُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا يَلْزَمُنَا‏,‏ وَلَيْسَ إحْسَانُ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ وَإِسَاءَتُهُ بِعُثْمَانَ بِأَبْعَدَ مِنْ الضَّلاَلِ مِنْ إحْسَانِ الظَّنِّ بِعُثْمَانَ وَإِسَاءَتِهِ بِعَلِيٍّ‏.‏

فَنَقُولُ‏:‏ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا رَدَّهُ عُثْمَانُ‏,‏ وَلاَ إحْدَى السَّيِّئَتَيْنِ بِأَسْهَلَ مِنْ الآُخْرَى وأما نَحْنُ فَنُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمَا رضي الله عنهما‏,‏ وَلاَ نَسْتَسْهِلُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَنْ نَنْسُبَ إلَيْهِ الْقَوْلَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ فَنَتَبَوَّأَ مَقَاعِدَنَا مِنْ النَّارِ كَمَا تَبَوَّأَهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ‏;‏ بَلْ نُقِرُّ قَوْلَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مَقَرَّهُمَا‏;‏ فَلَيْسَا حُجَّةً دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّهُمَا إمَامَانِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ‏,‏ مَغْفُورٌ لَهُمَا‏,‏ غَيْرُ مُبْعَدِينَ مِنْ الْوَهْمِ‏,‏ وَنَرْجِعُ إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَأْخُذُ بِالثَّابِتِ عَنْهُ وَنَطْرَحُ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ ثم نقول لَهُمْ‏:‏ هَبْكُمْ أَنَّ كِتَابَ عَلِيٍّ مُسْنَدٌ‏,‏ وَأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا تَقُولُونَ‏;‏ بَلْ تُمَوِّهُونَ‏:‏ وَإِنَّمَا فِيهِ فِي الإِبِلِ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَبِحِسَابِ الأَوَّلِ وَتُسْتَأْنَفُ لَهَا الْفَرَائِضُ وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ زَكَاةَ الْغَنَمِ تَعُودُ فِيهَا‏,‏ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ هَذَا أَنْ تَعُودَ إلَى حِسَابِهَا الأَوَّلِ وَتُسْتَأْنَفَ لَهَا الْفَرَائِضُ‏;‏ فَتَرْجِعَ إلَى أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ كَمَا فِي أَوَّلِهَا‏:‏ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏.‏

وَفِي ثَمَانِينَ بِنْتَا لَبُونٍ‏,‏ فَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِكُمْ الْكَاذِبِ ثم نقول‏:‏ هَبْكُمْ أَنَّهُ مُسْنَدٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ فِيهِ نَصَّ مَا قُلْتُمْ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَاسْمَعُوهُ بِكَمَالِهِ حدثنا حمام، حدثنا مُفَرِّجٌ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ‏,‏ وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلاَثِينَ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ أَوْ قَالَ‏:‏ الْجَمَلِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ‏,‏ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ‏,‏ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏,‏ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي الْوَرِقِ إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ‏,‏ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ‏.‏

وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْنِ شَيْءٌ‏,‏ فَإِنْ زَادَتْ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ‏;‏ وَقَدْ عَفَوْت عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ‏:‏ وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ وَإِذَا زَادَتْ الإِبِلُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ‏,‏ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ‏,‏ إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ بِنْتَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ لَبُونٍ رَدَّ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ‏,‏ فَإِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَفِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ‏,‏ فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ‏;‏ فِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ‏,‏ فَمَا نَقَصَ فَبِالْحِسَابِ‏;‏ فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ‏,‏ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ‏,‏ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسٌ‏,‏ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ‏,‏ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ‏;‏ إنْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ‏,‏ أَوْ أَخَذَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه‏:‏ مَعْمَرٌ‏,‏ وَسُفْيَانُ‏,‏ وَشُعْبَةُ‏:‏ مُتَّفِقُونَ كُلُّهُمْ‏,‏ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَان‏:‏ وَكِيعٌ‏,‏ وَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ‏:‏ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ‏,‏ وَرَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ‏:‏ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَاَلَّذِي مَوَّهُوا بِطَرْفٍ‏,‏ مِمَّا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ خَاصَّةً‏:‏ لَيْسَ أَيْضًا مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَا‏,‏ فَادَّعَوْا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ مَا لَيْسَ فِيهِ عَنْهُ أَثَرٌ‏,‏ وَلاَ جَاءَ قَطُّ عَنْهُ وَخَالَفُوا ذَلِكَ الْخَبَرَ نَفْسَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا مِمَّا فِيهِ نَصًّا‏,‏ وَهِيَ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ بِتَعْوِيضِ ابْنِ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ فَقَطْ وَقَوْلُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونِ‏.‏

وَإِسْقَاطُهُ ذِكْرَ عَوْدَةِ فَرَائِضِ الْغَنَمِ‏,‏ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَقَوْلُهُ فِيمَنْ أَخَذَ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيمَنْ أَخَذَ بِنْتَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ إنْ لَمْ يُوجَدْ ابْنُ لَبُونٍ وَقَوْلُهُ فِيمَنْ أَخَذَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَخَذَ مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَخُصَّ‏;‏ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَوْلُهُ‏:‏ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ‏,‏ فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ وَقْصًا‏,‏ كَمَا يَزْعُمُونَ بِرَأْيِهِمْ وَقَوْلُهُ‏:‏ لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْنِ مِنْ الْوَرِقِ زَكَاةٌ وَهُمْ يُزَكُّونَ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ إذَا كَانَ مَعَ مَالِكِهَا ذَهَبٌ إذَا جَمَعَ إلَى الْوَرِقِ سَاوَيَا جَمِيعًا مِائَتِي دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا‏.‏

وَمِنْهَا عَفُوُّهُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَمِنْهَا عَفُوُّهُ عَنْ صَدَقَةِ الرَّقِيقِ‏,‏ وَلَمْ يَسْتَثْنِ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَمِنْهَا قَوْلُهُ‏:‏ فِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ‏,‏ فَمَا نَقَصَ فَبِالْحِسَابِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ وَقْصًا أَفَيَكُونُ أَعْجَبَ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِرِوَايَةٍ عَنْ عَلِيٍّ لاَ بَيَانَ فِيهَا لِقَوْلِهِمْ‏,‏ لَكِنْ بِظَنٍّ كَاذِبٍ‏,‏ وَيَتَحَيَّلُونَ فِي أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ بِالْقَطْعِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ الْمُفْتَرَى‏:‏ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا تِلْكَ الرِّوَايَةَ نَفْسَهَا بِتِلْكَ الطَّرِيقِ‏,‏ وَمَعَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فِي اثْنَيْ عَشْرَ مَوْضِعًا مِنْهَا‏,‏ كُلُّهَا نُصُوصٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا أَمْرٌ مَا نَدْرِي فِي أَيِّ دِينٍ أَمْ فِي أَيِّ عَقْلٍ وَجَدُوا مَا يُسَهِّلُهُ عَلَيْهِمْ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِصَحِيفَةِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَبِصَحِيفَةِ حَمَّادٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ‏,‏ وَهُمَا مُرْسَلَتَانِ‏,‏ وَحَدِيثٍ مَوْقُوفٍ عَلَى عَلِيٍّ وَلَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ نَصٌّ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ‏,‏ وَلاَ دَلِيلَ ظَاهِرٌ‏:‏ ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَعِيبُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِالإِرْسَالِ الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ الْمُسْنَدَيْنِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى كِلَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى‏,‏ سَمِعَاهُ مِنْهُ‏,‏ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ‏,‏ سَمِعَهُ مِنْهُ‏,‏ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏,‏ سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سَمِعَهُ مِنْهُ‏,‏ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ تَعَالَى هَكَذَا نَصًّا وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ حدثنا عبد الله بن ربيع قَالَ

حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا ابْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيِّ، حدثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَ الصَّدَقَةِ‏,‏ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ‏,‏ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ‏,‏ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ‏,‏ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ‏,‏ فَكَانَ فِيهِ‏:‏ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ‏,‏ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ‏,‏ إلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً‏,‏ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ‏:‏ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ‏.‏

فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ‏,‏ إلَى سِتِّينَ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ‏,‏ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ‏,‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ‏,‏ إلَى تِسْعِينَ‏:‏ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ‏,‏ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَقَالُوا‏:‏ إنَّ أَصْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الإِرْسَالُ‏,‏ وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ ثُمَّ لاَ يُبَالُونَ بِأَنْ يَحْتَجُّوا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَيُصَحِّحُونَهُمَا‏,‏ إذَا وَجَدُوا فِيهِمَا مَا يُوَافِقُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ فَيُحِلُّونَهُ طَوْرًا وَيُحَرِّمُونَهُ طَوْرًا وَاعْتَرَضُوا فِيهِمَا بِأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ ضَعَّفَهُمَا وَلَيْتَ شِعْرِي مَا قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فِي صَحِيفَةِ ابْنِ حَزْمٍ‏,‏ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ مَا نَرَاهُ اسْتَجَازَ الْكَلاَمَ بِذِكْرِهِمَا‏,‏ فَضْلاً عَنْ أَنْ يَشْتَغِلَ بِتَضْعِيفِهِمَا وأعجب مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ بَعْضَ مُقَدِّمِيهِمْ الْمُتَأَخِّرِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ‏:‏ لَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ حَقًّا لاََخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى عُمَّالِهِ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا قَوْلُ الرَّوَافِضِ فِي الطَّعْنِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ فِي الْعَمَلِ بِهِ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَعَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ نُسِبَتْ إلَيْهِ كُتُبُ الْبَاطِلِ وَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ ثُمَّ كَتَمَهُ‏,‏ وَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ بَعْدَهُ‏;‏ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ وَقَدْ خَالَفُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ النُّصُوصَ وَالْقِيَاسَ فَهَلْ وَجَدُوا فَرِيضَةً تَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهَا وَهَلْ وَجَدُوا فِي أَوْقَاصِ الإِبِلِ وَقْصًا مِنْ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِينَ مِنْ الإِبِلِ إذْ لَمْ يَجْعَلُوا بَعْدَ الإِحْدَى وَالتِّسْعِينَ حُكْمًا زَائِدًا إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏.‏

وَهَلْ وَجَدُوا فِي شَيْءٍ مِنْ الإِبِلِ حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي إبِلٍ وَاحِدَةٍ‏,‏ بَعْضُهَا يُزَكَّى بِالإِبِلِ وَبَعْضُهَا يُزَكَّى بِالْغَنَمِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ أَخْذَ زَكَاةٍ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ‏,‏ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوا حِقَّيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَالٍ وَاحِدٍ وَهُمْ قَدْ جَعَلُوا هَاهُنَا‏:‏ بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ حِقَّيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا إبِلٌ‏;‏ وَالثَّانِي غَنَمٌ وَهَلاَّ إذْ رَدُّوا الْغَنَمَ وَبِنْتَ الْمَخَاضِ بَعْدَ إسْقَاطِهِمَا رَدُّوا أَيْضًا فِي سِتٍّ وَثَلاَثِينَ زَائِدَةً عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ بِنْتَ اللَّبُونِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ‏.‏

قِيلَ لَهُمْ‏:‏ فَهَلاَّ مَنَعَكُمْ مِنْ رَدِّ الْغَنَمِ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ‏,‏ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وَقَالُوا فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَيْسَ فِيمَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ شَيْءٌ إلَى ثَلاَثِينَ وَمِائَةٍ إنَّهُ يُعَارِضُ سَائِرَ الأَخْبَارِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إنْ كَانَ هَذَا فَأَوَّلُ مَا يُعَارَضُ فَصَحِيفَةُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ‏,‏ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ فِيمَا يَظُنُّهُ فِيهِمَا‏;‏ فَسَقَطَ تَمْوِيهُهُمْ كُلُّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وأما دَعْوَاهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ وَعَلِيٍّ‏;‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏;‏ فَقَدْ كَذَبُوا جِهَارًا فأما عَلِيٌّ فَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْهُ‏,‏ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ، وَلاَ نَصٌّ بِمَا ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ بِالتَّمْوِيهِ الْكَاذِبِ وأما ابْنُ مَسْعُودٍ فَلاَ يَجِدُونَهُ عَنْهُ أَصْلاً‏,‏ إمَّا ثَابِتٌ فَنَقْطَعُ بِذَلِكَ قَطْعًا‏;‏ وأما رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ فَبَعِيدٌ عَلَيْهِمْ وُجُودُهَا أَيْضًا‏,‏ وأما مَوْضُوعَةٌ مِنْ عَمَلِ الْوَقْتِ فَيَسْهُلُ عَلَيْهِمْ إلاَّ أَنَّهَا لاَ تُنْفَقُ فِي سُوقِ الْعِلْمِ وأما عُمَرُ رضي الله عنه فَالثَّابِتُ عَنْهُ كَالشَّمْسِ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ‏,‏ وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ خِلاَفِ ذَلِكَ عَنْهُ‏,‏ إلاَّ إنْ صَاغُوهُ لِلْوَقْتِ‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ‏,‏ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فِي الإِبِلِ فِي خَمْسٍ شَاةٌ‏,‏ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ‏,‏ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ‏;‏ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ‏,‏ إلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ‏,‏ إلَى سِتِّينَ‏,‏ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ‏,‏ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ‏,‏ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏;‏ فَإِنْ زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ هُوَ أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ‏:‏ هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ‏,‏ وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا‏,‏ وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمُ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلاَثِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ لَبُونٍ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ‏,‏ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ‏,‏ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ‏;‏ أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ أُخِذَتْ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قال أبو محمد‏:‏ فَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ‏,‏ هُوَ قَوْلُنَا نَفْسُهُ‏,‏ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ تَعَلُّلُهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْك عَارُهَا ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ تَصْحِيحِهِ وَالاِحْتِجَاجِ بِهِ مُوهِمِينَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِهِمْ فِي أَنْ لاَ زَكَاةَ إلاَّ فِي السَّائِمَةِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ‏,‏ وَخِلاَفِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى‏,‏ وَلِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَِبِي بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ وَعَلِيٍّ‏,‏ وَأَنَسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم دُونَ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ‏,‏ إلاَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏

675 - مَسْأَلَةٌ

قال أبو محمد‏:‏ وَيُعْطِي الْمُصَدِّقُ‏,‏ الشَّاتَيْنِ أَوْ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِمَّا أَخَذَ مِنْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ‏,‏ أَوْ يَبِيعَ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ لأَِنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ يَأْخُذُ ذَلِكَ‏;‏ فَمِنْ مَالِهِمْ يُؤَدِّيه، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ التَّقَاصُّ

وَهُوَ‏:‏ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِنْتَا لَبُونٍ فَلاَ يَجِدُهُمَا عِنْدَهُ‏,‏ وَيَجِدُ عِنْدَهُ حِقَّةً وَبِنْتَ مَخَاضٍ‏,‏ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُمَا وَيُعْطِيه شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذ مِنْهُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ ثُمَّ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ‏,‏ أَوْ يُعْطِيَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ لأَِنَّهُ قَدْ أَوْفَى وَاسْتَوْفَى وأما التَّقَاصُّ بِأَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ تَرْكٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ وَجَبَ لَمْ يُقْبَضْ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ إبْرَاءُ الْمُصَدِّقِ مِنْ حَقِّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ‏;‏ لأَِنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ‏.‏

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

676 - مَسْأَلَةٌ

وَالزَّكَاةُ تَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ‏,‏ فِي الإِبِلِ‏,‏ وَالْبَقَرِ‏,‏ وَالْغَنَمِ‏,‏ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

بِخِلاَفِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ‏,‏ فَإِنَّ هَذِهِ الأَصْنَافَ إذَا زُكِّيَتْ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا‏,‏ وَإِنَّمَا تُزَكَّى عِنْدَ تَصْفِيَتِهَا‏,‏ وَكَيْلِهَا‏,‏ وَيُبْسِ التَّمْرِ‏,‏ وَكَيْلِهِ‏,‏ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ‏,‏ إلاَّ فِي الْحُلِيِّ وَالْعَوَامِلِ‏,‏ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏;‏ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخْرِجُ الْمُصَدِّقِينَ كُلَّ سَنَةٍ ‏.‏

677 - مَسْأَلَةٌ

وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ‏,‏ فِي الإِبِلِ‏,‏ وَالْبَقَرِ‏,‏ وَالْغَنَمِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ

وَلاَ حُكْمَ فِي ذَلِكَ لِمَجِيءِ السَّاعِي وَهُوَ الْمُصَدِّقُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا وقال مالك‏,‏ وَأَبُو ثَوْرٍ‏:‏ لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ إلاَّ بِمَجِيءِ الْمُصَدِّقِ ثُمَّ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا‏:‏ إنْ أَبْطَأَ الْمُصَدِّقُ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ بِذَلِكَ‏;‏ وَوَجَبَ أَخْذُهَا لِكُلِّ عَامٍ خَلاَ وَهَذَا إبْطَالُ قَوْلِهِمْ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَجِبُ إلاَّ بِمَجِيءِ السَّاعِي‏,‏ وَإِنَّمَا السَّاعِي وَكِيلٌ مَأْمُورٌ بِقَبْضِ مَا وَجَبَ‏;‏ لاَ يَقْبِضُ مَا لَمْ يَجِبْ‏,‏ وَلاَ بِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ وَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ فِي أَنَّ الْمُصَدِّقَ لَوْ جَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمَا جَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا‏,‏ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِمَجِيءِ السَّاعِي، وَلاَ يَخْلُو السَّاعِي مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعَثَهُ الإِمَامُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ‏,‏ أَوْ أَمِيرُهُ‏,‏ أَوْ بَعَثَهُ مَنْ لاَ تَجِبُ طَاعَتُهُ‏,‏ فَإِنْ بَعَثَهُ مَنْ لاَ تَجِبُ طَاعَتُهُ فَلَيْسَ هُوَ الْمَأْمُورُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ عليه السلام بِقَبْضِ الزَّكَاةِ‏,‏ فَإِذْ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ فَلاَ يُجْزِئُ مَا قَبَضَ‏,‏ وَالزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَدَاؤُهَا، وَلاَ بُدَّ‏;‏ لأَِنَّ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ مَظْلِمَةٌ لاَ صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ‏.‏

وَإِنْ كَانَ بَعَثَهُ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ‏,‏ فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَاعِثُهُ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا‏,‏ أَوْ لاَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا‏,‏ فَإِنْ كَانَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا فَلاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلاَّ إلَيْهِ‏;‏ لأَِنَّهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ فَقَدْ تَعَدَّى‏,‏ وَالتَّعَدِّي مَرْدُودٌ‏,‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

زكاة السائمة وغير السائمة من الماشية

678 - مَسْأَلَةٌ

قَالَ مَالِكٌ‏,‏ وَاللَّيْثُ‏,‏ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا‏:‏ تُزَكَّى السَّوَائِمُ‏,‏ وَالْمَعْلُوفَةُ‏,‏ وَالْمُتَّخَذَةُ لِلرُّكُوبِ‏,‏ وَلِلْحَرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ وَالْبَقَرِ‏,‏ وَالْغَنَمِ

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا‏:‏ أَمَّا الإِبِلُ فَنَعَمْ‏,‏ وأما الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ فَلاَ زَكَاةَ إلاَّ فِي سَائِمَتِهَا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أَمَّا الإِبِلُ‏,‏ وَالْغَنَمُ فَتُزَكَّى سَائِمَتُهَا وَغَيْرُ سَائِمَتِهَا‏,‏ وأما الْبَقَرُ فَلاَ تُزَكَّى إلاَّ سَائِمَتُهَا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد رحمه الله وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ سَائِمَةَ الإِبِلِ وَغَيْرَ السَّائِمَةِ مِنْهَا تُزَكَّى سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ زَكَاةَ إلاَّ فِي السَّائِمَةِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ‏:‏ وقال بعضهم‏:‏ تُزَكَّى غَيْرُ السَّائِمَةِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ‏,‏ ثُمَّ لاَ تَعُودُ الزَّكَاةُ فِيهَا‏.‏

فَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ قَوْلُنَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَغَيْرِهِمْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق سُفْيَان‏,‏ وَمَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ‏:‏ لَيْسَ عَلَى عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه‏:‏ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةُ شَاةٍ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏.‏

وَعَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ‏:‏ لَيْسَ عَلَى عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ‏:‏ لاَ صَدَقَةَ فِي الْمُثِيرَةِ، وَلاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم خِلاَفٌ فِي ذَلِكَ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ لاَ صَدَقَةَ فِي الْحُمُولَةِ‏,‏ وَالْمُثِيرَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ‏,‏ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ وَالْحُمُولَةُ‏:‏ هِيَ الإِبِلُ الْحَمَّالَةُ‏,‏ وَالْمُثِيرَةُ بَقَرُ الْحَرْثِ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ‏}‏‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ لَيْسَ عَلَى ثَوْرٍ عَامِلٍ، وَلاَ عَلَى جَمَلِ ظَعِينَةٍ صَدَقَةٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ لَيْسَ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ وَعَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فِي مِصْرٍ يَحْلِبُهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا‏,‏ وَلاَ صَدَقَةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ لَيْسَ فِي السَّوَانِي مِنْ الْبَقَرِ‏,‏ وَبَقَرِ الْحَرْثِ صَدَقَةٌ‏,‏ وَفِيمَا عَدَاهُمَا مِنْ الْبَقَرِ الصَّدَقَةُ كَصَدَقَةِ الإِبِلِ‏,‏ وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي عَوَامِلِ الإِبِلِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏:‏ لَيْسَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏:‏ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ وَالإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ‏.‏

وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ‏:‏ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْحَرْثِ صَدَقَةٌ وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ‏.‏

لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ وَعَنْ طَاوُسٍ‏:‏ لَيْسَ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ‏,‏ وَالإِبِلِ صَدَقَةٌ‏,‏ إلاَّ فِي السَّوَائِمِ خَاصَّةً وَعَنْ الشَّعْبِيِّ‏:‏ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَالضَّحَّاكِ وَعَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ‏:‏ لَيْسَ فِي الإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ‏.‏

وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ‏:‏ لاَ زَكَاةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ‏,‏ وَأَوْجَبَهَا فِي الإِبِلِ الْعَوَامِلِ‏.‏

وَقَالَ سُفْيَانُ‏:‏ لاَ زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ‏,‏ وَلاَ زَكَاةَ فِي الْغَنَمِ الْمُتَّخَذَةِ لِلذَّبْحِ وَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ‏,‏ فَعَجِبَ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ‏,‏ وَغَيْرِهِ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏,‏ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الإِبِلِ الْعَوَامِلِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ غَنَمٍ‏,‏ وَبَقَرٍ‏,‏ وَإِبِلٍ‏,‏ سَائِمَةٍ‏;‏ أَوْ غَيْرِ سَائِمَةٍ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ قَالُوا‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ عليه السلام كَلاَمًا لاَ فَائِدَة فِيهِ‏;‏ فَدَلَّ أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ بِخِلاَفِ السَّائِمَةِ‏.‏

وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الآثَارِ‏:‏ ‏"‏ فِي سَائِمَةِ الإِبِلِ ‏"‏ قَالُوا‏:‏ فَقِسْنَا سَائِمَةَ الْبَقَرِ عَلَى ذَلِكَ وَقَالُوا‏:‏ إنَّمَا جُعِلَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا فِيهِ النَّمَاءُ‏;‏ وأما فِيمَا فِيهِ الْكُلْفَةُ فَلاَ‏,‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي تَخْصِيصِ عَوَامِلِ الْبَقَرِ خَاصَّةً بِأَنَّ الأَخْبَارَ فِي الْبَقَرِ لَمْ تَصِحَّ‏;‏ فَالْوَاجِبُ أَنْ لاَ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا إلاَّ حَيْثُ اُجْتُمِعَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا‏;‏ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ بِأَنْ قَالَ‏:‏ قَدْ صَحَّتْ الزَّكَاةُ فِيهَا بِالنَّصِّ الْمُجْمَلِ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنْ تُكَرَّرَ الزَّكَاةُ فِيهَا فِي كُلِّ عَامٍ‏,‏ فَوَجَبَ تَكَرُّرُ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ‏;‏ وَلَمْ يَجِبْ التَّكْرَارُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ‏,‏ لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِإِجْمَاعٍ قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا حُجَّةُ مَنْ احْتَجَّ بِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ‏;‏ وَبِأَنَّهُ قَوْلُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لاَ يُعْرَفُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ‏:‏ فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

ثم نقول لِلْحَنَفِيِّينَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّينَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ‏,‏ إذْ قَالُوا بِزَكَاةِ خَمْسِينَ بَقَرَةً بِبَقَرَةٍ وَرُبُعٍ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِمْ إلاَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ‏,‏ وَتَقْسِيمِهِمْ فِي الْمَيْتَاتِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ فِيهِ‏,‏ فَلاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَسَّمَهُ قَبْلَهُمْ‏,‏ وَتَقْدِيرِهِمْ الْمَسْحَ فِي الرَّأْسِ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ مَرَّةً وَبِرُبُعِ الرَّأْسِ مَرَّةَ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا الْهَوَسُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ‏,‏ وَلَوَدِدْنَا أَنْ نَعْرِفَ بِأَيِّ الأَصَابِعِ هِيَ أَمْ بِأَيِّ خَيْطٍ يُقَدَّرُ رُبُعُ الرَّأْسِ وَإِجَازَتِهِمْ الاِسْتِنْجَاءَ بِالرَّوْثِ، وَلاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا أَجَازَهُ قَبْلَهُمْ‏,‏ وَتَقْسِيمِهِمْ فِيمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْجَوْفِ، وَلاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ‏,‏ وَقَوْلِهِمْ فِي صِفَةِ صَدَقَةِ الْخَيْلِ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا‏;‏ وَخِلاَفِهِمْ لِكُلِّ رِوَايَةٍ جَاءَتْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ‏,‏ وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَخِلاَفِهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏,‏ وَأَبُو حَثْمَةَ‏,‏ وَابْنَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ فِي تَرْكِ مَا يَأْكُلُهُ الْمَخْرُوصُ عَلَيْهِ مِنْ التَّمْرِ‏,‏ وَمَعَهُمْ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ بِيَقِينٍ‏,‏ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا وَكَذَلِكَ نَسِيَ الشَّافِعِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ فِي تَقْسِيمِهِمْ مَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الأَرْضِ، وَلاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَتَحْدِيدِهِمْ مَا يَنْجَسُ مِنْ الْمَاءِ مِمَّا لاَ يَنْجَسُ بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ وَمَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ‏,‏ وَخِلاَفُهُمْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ وَبِالْعَيْنِ أَنَّهُ يُزَكَّى عَلَى الأَغْلَبِ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا لَهُمْ وأما احْتِجَاجُهُمْ بِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ مِنْ ذِكْرِ السَّائِمَةِ‏,‏ فَنَعَمْ‏,‏ صَحَّ هَذَا اللَّفْظُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُ هَذَا الْخَبَرِ لَوَجَبَ أَنْ لاَ يُزَكَّى غَيْرُ السَّائِمَةِ‏;‏ لَكِنْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلَ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ جُمْلَةً‏,‏ فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا‏.‏

وأما الْخَبَرُ فِي سَائِمَةِ الإِبِلِ فَلاَ يَصِحُّ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلاَّ فِي خَبَرِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ فَقَطْ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ زِيَادَةَ حُكْمٍ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا‏}‏ مَعَ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ‏}‏ فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي تِلْكَ الآيَةِ‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاَقٍ‏}‏ مَعَ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏ فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي تِلْكَ الآيَةِ وَهَلاَّ اسْتَعْمَلَ الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ هَذَا الْعَمَلَ حَيْثُ كَانَ يَلْزَمُهُمْ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏ فَقَالُوا‏:‏ وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَهُ مُخْطِئًا وَلَعَمْرِي إنَّ قِيَاسَ غَيْرِ السَّائِمَةِ عَلَى السَّائِمَةِ لاََشْبَهَ مِنْ قِيَاسِ قَاتِلِ الْخَطَأِ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ وَحَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ‏}‏ فَقَالُوا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِنَا وَمِثْل هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا‏,‏ لاَ يَتَثَقَّفُونَ فِيهِ إلَى أَصْلٍ فَمَرَّةٌ يَمْنَعُونَ مَنْ تَعَدَّى مَا فِي النَّصِّ حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ‏,‏ وَمَرَّةٌ يَتَعَدَّوْنَ النَّصَّ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ فَهُمْ أَبَدًا يَعْكِسُونَ الْحَقَائِقَ‏.‏

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِجَمِيعِ النُّصُوصِ‏,‏ وَلَمْ يَتْرُكُوا بَعْضَهَا لِبَعْضِ‏,‏ وَلَمْ يَتَعَدَّوْهَا إلَى مَا لاَ نَصَّ فِيهِ‏:‏ لَكَانَ أَسْلَمَ لَهُمْ مِنْ النَّارِ وَالْعَارِ وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا فِيهِ النَّمَاءُ‏;‏ فَبَاطِلٌ‏,‏ وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ‏,‏ وَلاَ تَنْمِي أَصْلاً‏,‏ وَلَيْسَتْ فِي الْحَمِيرِ‏,‏ وَهِيَ تَنْمِي‏,‏ وَلاَ فِي الْخَضَرِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ‏,‏ وَهِيَ تَنْمِي وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَوَامِلَ مِنْ الْبَقَرِ‏,‏ وَالإِبِلِ تَنْمِي أَعْمَالُهَا وَكِرَاؤُهَا‏,‏ وَتَنْمِي بِالْوِلاَدَةِ أَيْضًا فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَهَا مُؤْنَةٌ فِي الْعَلَفِ قلنا‏:‏ وَلِلسَّائِمَةِ مُؤْنَةُ الرَّاعِي وَأَنْتُمْ لاَ تَلْتَفِتُونَ إلَى عَظِيمِ الْمُؤْنَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي الْحَرْثِ‏,‏ وَإِنْ اسْتَوْعَبَتْهُ كُلَّهُ‏;‏ بَلْ تَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِيهِ‏,‏ وَلاَ تُرَاعُونَ الْخَسَارَةَ فِي التِّجَارَةِ‏,‏ بَلْ تَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِيهَا فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وأما مَنْ خَصَّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَقَرَ بِأَنْ لاَ تُزَكَّى إلاَّ سَائِمَتُهَا فَقَطْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَكَاةُ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ عُمُومًا‏,‏ وَحَدُّ زَكَاتِهَا‏,‏ وَمِنْ كَمْ تُؤْخَذْ الزَّكَاةُ مِنْهَا‏:‏ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بِرَأْيٍ، وَلاَ بِقِيَاسٍ‏.‏

وأما الْبَقَرُ فَلَمْ يَصِحَّ فِي صِفَةِ زَكَاتِهَا‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ لاَ تَجِبَ الزَّكَاةُ إلاَّ فِي بَقَرٍ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا‏,‏ وَلاَ إجْمَاعَ إلاَّ فِي السَّائِمَةِ‏;‏ فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا‏,‏ دُونَ غَيْرِهَا الَّتِي لاَ إجْمَاعَ فِيهَا قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ‏;‏ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ‏,‏ بِقَوْلِهِ عليه السلام الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ‏:‏ مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ، وَلاَ بَقَرٍ لاَ يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلاَّ فُعِلَ بِهِ كَذَا‏.‏

فَصَحَّ بِالنَّصِّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ جُمْلَةً‏;‏ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصُّ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا‏,‏ وَلاَ كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهَا‏,‏ فَفِي هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ يُرَاعَى الإِجْمَاعُ‏,‏ وأما تَخْصِيصُ بَقَرٍ دُونَ بَقَرٍ فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلثَّابِتِ عَنْهُ عليه السلام مِنْ إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي الْبَقَرِ بِغَيْرِ نَصٍّ‏:‏ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِ السَّائِمَةِ بِهَذَا الدَّلِيلِ وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْ الذُّكُورِ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ‏,‏ فَقَدْ صَحَّ الْخِلاَفُ فِي زَكَاتِهَا‏:‏ كَمَا حَدَّثَنَا حمام قَالَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ، هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ السَّوَائِمِ صَدَقَةٌ إلاَّ إنَاثَ الإِبِلِ‏,‏ وَإِنَاثَ الْبَقَرِ‏,‏ وَالْغَنَمِ قال أبو محمد‏:‏ وَلاَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا‏,‏ وَلاَ الْحَنَفِيُّونَ‏,‏ وَلاَ الْمَالِكِيُّونَ‏,‏ وَلاَ الشَّافِعِيُّونَ‏,‏ وَلاَ الْحَنْبَلِيُّونَ، وَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ أَصْلاً‏;‏ لأَِنَّهُ تَحَكُّمٌ بِلاَ بُرْهَانٍ فَوَجَبَتْ بِالنَّصِّ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ بَقَرٍ‏,‏ أَيْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْبَقَرِ كَانَتْ‏,‏ سَائِمَةً أَوْ غَيْرَ سَائِمَةٍ‏,‏ إلاَّ بَقَرًا خَصَّهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ وأما الْعَدَدُ‏,‏ وَالْوَقْتُ‏,‏ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ إلاَّ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ أَوْ بِنَصٍّ صَحِيحٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وأما مَنْ قَالَ فِي السَّائِمَةِ بِعَوْدَةِ الزَّكَاةِ فِيهَا كُلَّ عَامٍ‏,‏ وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ‏:‏ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْبَقَرِ بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا‏;‏ وَلَمْ يَأْتِ بِتَكْرَارِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ عَامٍ نَصٌّ‏;‏ فَلاَ تَجُوزُ عَوْدَةُ الزَّكَاةِ فِي مَالٍ قَدْ زُكِّيَ‏,‏ إلاَّ بِالإِجْمَاعِ‏;‏ وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ بِعَوْدَةِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ‏,‏ وَالإِبِلِ‏,‏ وَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ كُلَّ عَامٍ‏,‏ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ‏,‏ وَلاَ نَصَّ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي عَوْدَتِهَا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْهَا كُلِّهَا‏;‏ فَلاَ يَجِبُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ قال أبو محمد‏:‏ كَانَ هَذَا قَوْلاً صَحِيحًا لَوْلاَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ الْمُصَدِّقِينَ فِي كُلِّ عَامٍ لِزَكَاةِ الإِبِلِ‏,‏ وَالْبَقَرِ‏,‏ وَالْغَنَمِ هَذَا أَمْرٌ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ‏;‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اُرْضُوَا مُصَدِّقِيكُمْ فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا بِيَقِينٍ‏;‏ فَخُرُوجُ الْمُصَدِّقِينَ فِي كُلِّ عَامٍ مُوجِبٌ أَخْذَ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ عَامٍ بِيَقِينٍ‏;‏ فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ‏,‏ فَتَخْصِيصُ بَعْضِ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ عَامًا بِأَنْ لاَ يَأْخُذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ الزَّكَاةَ عَامًا ثَانِيًا تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ‏.‏

وَقَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ‏;‏ وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِثْلُ هَذَا فِيمَا لاَ نَصَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

679 - مَسْأَلَةٌ

وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ ذِي إبِلٍ‏,‏ وَبَقَرٍ‏,‏ وَغَنَمٍ أَنْ يَحْلِبَهَا يَوْمَ وِرْدِهَا عَلَى الْمَاءِ‏,‏ وَيَتَصَدَّقُ مِنْ لَبَنِهَا بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ هُوَ أَبُو الْيَمَانِ، حدثنا شُعَيْبٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، حدثنا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ هُرْمُزٍ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ تَأْتِي الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ‏,‏ إذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا‏,‏ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا‏,‏ وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ‏,‏ إذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا‏,‏ تَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا‏,‏ قَالَ‏:‏ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمَنْ قَالَ‏:‏ إنَّهُ لاَ حَقَّ فِي الْمَالِ غَيْرُ الزَّكَاةِ فَقَدْ قَالَ‏:‏ الْبَاطِلَ‏,‏ وَلاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ‏,‏ لاَ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ‏,‏ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَمْوَالِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ هَذَا‏:‏ هَلْ تَجِبُ فِي الأَمْوَالِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالأَيْمَانِ وَدُيُونِ النَّاسِ أَمْ لاَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ‏.‏

وأما إعَارَةُ الدَّلْوِ وَإِطْرَاقُ الْفَحْلِ فَدَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏‏.‏

680 - مَسْأَلَةٌ

الأَسْنَانُ الْمَذْكُورَاتُ فِي الإِبِلِ

بِنْتُ الْمَخَاضِ‏:‏ هِيَ الَّتِي أَتَمَّتْ سَنَةً وَدَخَلَتْ فِي سَنَتَيْنِ‏,‏ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّ أُمَّهَا مَاخِضٌ‏;‏ أَيْ قَدْ حَمَلَتْ فَإِذَا أَتَمَّتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ فَهِيَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَابْنُ لَبُونٍ‏,‏ لأَِنَّ أُمَّهَا قَدْ وَضَعَتْ فَلَهَا لَبَنٌ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّتْ ثَلاَثَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ فَهِيَ حِقَّةٌ‏,‏ لأَِنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا الْفَحْلُ‏,‏ وَالْحَمْلُ‏;‏ فَإِذَا أَتَمَّتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ فَهِيَ جَذَعَةٌ‏;‏ فَإِذَا أَتَمَّتْ خَمْسَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ فَهِيَ ثَنِيَّةٌ‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ مَا لَمْ يُتِمَّ سَنَةً وَهُوَ فَصِيلٌ لاَ يَجُوزُ فِي الصَّدَقَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ وَتَفْسِيرِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ

حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد بِذَلِكَ كُلِّهِ‏,‏ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ‏,‏ وَالْعَبَّاسِ بْنِ الْفَرَجِ الرِّيَاشِيِّ‏,‏ وَعَنْ أَبِي دَاوُد الْمُصَاحِفِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى ‏.‏

681 - مَسْأَلَةٌ

وَالْخُلْطَةُ فِي الْمَاشِيَةِ أَوْ غَيْرِهَا لاَ تُحِيلُ حُكْمَ الزَّكَاةِ‏,‏ وَلِكُلِّ أَحَدٍ حُكْمُهُ فِي مَالِهِ‏,‏ خَالَطَ أَوْ لَمْ يُخَالِطْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ فَضَالَةَ أَنَا سُرَيْجٌ بْنُ النُّعْمَانِ ثني حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ ‏"‏ أَنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏,‏ وَفِي آخِرِهِ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ‏,‏ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إذَا تَخَالَطَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ فِي إبِلٍ‏,‏ أَوْ فِي بَقَرٍ‏,‏ أَوْ فِي غَنَمٍ‏,‏ فَإِنَّهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ مَاشِيَتِهِمْ‏,‏ الزَّكَاةُ كَمَا كَانَتْ تُؤْخَذُ لَوْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ‏,‏ وَالْخُلْطَةُ عِنْدَهُمْ أَنْ تَجْتَمِعَ الْمَاشِيَةُ فِي‏:‏ الرَّاعِي‏,‏ وَالْمَرَاحِ‏,‏ وَالْمَسْرَحِ‏,‏ وَالْمَسْقَى‏,‏ وَمَوَاضِعِ الْحَلْبِ‏:‏ عَامًا كَامِلاً مُتَّصِلاً وَإِلاَّ فَلَيْسَتْ خُلْطَةً‏,‏ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَاشِيَتُهُمْ مُشَاعَةً لاَ تَتَمَيَّزُ‏,‏ أَوْ مُتَمَيِّزَةً‏,‏ وَزَادَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الدَّلْوُ‏,‏ وَالْفَحْلُ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا الْقَوْلُ مَمْلُوءٌ مِنْ الْخَطَأِ أَوَّلَ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ ذِكْرَهُمْ الرَّاعِي كَانَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْمَسْرَحِ‏,‏ وَالْمَسْقَى‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَاحِدًا وَتَخْتَلِفُ مَسَارِحُهَا وَمَسَاقِيهَا‏;‏ فَصَارَ ذِكْرُ الْمَسْرَحِ وَالْمَسْقَى فُضُولاً وَأَيْضًا فَإِنَّ ذِكْرَ الْفَحْلِ خَطَأٌ‏,‏ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لاِِنْسَانٍ وَاحِدٍ فَحْلاَنِ وَأَكْثَرُ‏;‏ لِكَثْرَةِ مَاشِيَتِهِ‏,‏ وَرَاعِيَانِ وَأَكْثَرُ لِكَثْرَةِ مَاشِيَتِهِ‏;‏ فَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا أَوْجَبَ اخْتِلاَطُهُمَا فِي الرَّاعِي‏,‏ وَالْعَمَلِ‏:‏ أَنْ يُزَكِّيَهَا‏,‏ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ‏,‏ وَأَنْ لاَ تُجْمَعُ مَاشِيَةُ إنْسَانٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ لَهُ فِيهَا رَاعِيَانِ فَحْلاَنِ‏,‏ وَهَذَا لاَ تَخَلُّصَ مِنْهُ وَنَسْأَلُهُمْ إذَا اخْتَلَطَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ‏:‏ أَلَهُمَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ أَمْ لاَ فَأَيُّ ذَلِكَ قَالُوا فَلاَ سَبِيلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ إلاَّ تَحَكُّمًا فَاسِدًا بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

ثُمَّ زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ فَرَأَوْا فِي جَمَاعَةٍ لَهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ‏,‏ أَوْ ثَلاَثُونَ مِنْ الْبَقَرِ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ‏:‏ أَنَّ الزَّكَاةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْهَا‏,‏ وَأَنَّ ثَلاَثَةً لَوْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَهُمْ خُلَطَاءُ فِيهَا‏:‏ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ‏,‏ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ‏,‏ وَقَالُوا‏:‏ إنَّ خَمْسَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ الإِبِلِ تَخَالَطُوا بِهَا عَامًا فَلَيْسَ فِيهَا إلاَّ بِنْتُ مَخَاضٍ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي‏.‏

وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد فِيمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا‏.‏

حَتَّى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى حُكْمَ الْخُلْطَةِ جَارِيًا كَذَلِكَ فِي الثِّمَارِ‏,‏ وَالزَّرْعِ‏,‏ وَالدَّرَاهِمِ‏,‏ وَالدَّنَانِيرِ فَرَأَى فِي جَمَاعَةٍ بَيْنَهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَقَطْ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا‏,‏ وَأَنَّ جَمَاعَةً يَمْلِكُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَطْ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَقَطْ وَهُمْ خُلَطَاءُ فِيهَا أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنْ كَانَ يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلَطَاءِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّوْا حِينَئِذٍ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لاَ يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ‏,‏ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَقَعُ لَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ‏,‏ وَمَنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لاَ يَقَعُ لَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ‏.‏

فَرَأْيُ هَؤُلاَءِ فِي اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا يَمْلِكَانِ أَرْبَعِينَ شَاةً‏,‏ أَوْ سِتِّينَ أَوْ مَا دُونَ الثَّمَانِينَ‏,‏ أَوْ ثَلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ مَا دُونَ السِّتِّينَ‏,‏ وَكَذَلِكَ فِي الإِبِلِ‏:‏ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ‏;‏ فَإِنْ كَانَ ثَلاَثَةٌ يَمْلِكُونَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً‏,‏ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا‏,‏ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ‏,‏ وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَوَاشِي وَلَمْ يَرَ هَؤُلاَءِ حُكْمَ الْخُلْطَةِ إلاَّ فِي الْمَوَاشِي فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ‏,‏ وَأَبِي عُبَيْدٍ‏,‏ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ لاَ تُحِيلُ الْخُلْطَةُ حُكْمَ الزَّكَاةِ أَصْلاً‏,‏ لاَ فِي الْمَاشِيَةِ‏,‏ وَلاَ فِي غَيْرِهَا‏;‏ وَكُلُّ خَلِيطٍ لِيُزَكِّيَ مَا مَعَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا‏,‏ وَلاَ فَرْقَ‏,‏ فَإِنْ كَانَ ثَلاَثَةُ خُلَطَاءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فَعَلَيْهِمْ ثَلاَثُ شِيَاهٍ‏,‏ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَ خَمْسَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ وَهُمْ خُلَطَاءُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ‏,‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ قال أبو محمد‏:‏ لَمْ نَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَةً لأَِحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَوَجَدْنَا أَقْوَالاً عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ‏,‏ وَابْنِ هُرْمُزٍ‏,‏ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ‏,‏ فَقَطْ رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إذَا كَانَ الْخَلِيطَانِ يَعْلَمَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلاَ تُجْمَعُ أَمْوَالُهُمَا فِي الصَّدَقَةِ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ فَذَكَرْتُ هَذَا لِعَطَاءٍ مِنْ قَوْلِ طَاوُوسٍ فَقَالَ‏:‏ مَا أَرَاهُ إلاَّ حَقًّا‏,‏ وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ إذَا كَانَ رَاعِيهِمَا وَاحِدًا‏,‏ وَكَانَتْ تَرِدُ جَمِيعًا وَتَرُوحُ جَمِيعًا صُدِّقَتْ جَمِيعًا وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّ الإِبِلَ إذَا جَمَعَهَا الرَّاعِي وَالْفَحْلُ وَالْحَوْضُ تُصَدَّقُ جَمِيعًا ثُمَّ يَتَحَاصُّ أَصْحَابُهَا عَلَى عِدَّةِ الإِبِلِ فِي قِيمَةِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ فَإِنْ كَانَ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا لاَ يُرِيدُ مُخَالَطَتَهُ، وَلاَ وَضْعَهَا عِنْدَهُ يُرِيدُ نِتَاجَهَا فَإِنَّ تِلْكَ تُصَدَّقُ وَحْدَهَا وَعَنِ ابْنِ هُرْمُزَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ قال أبو محمد‏:‏ احْتَجَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ‏:‏ فَقَالَ مَنْ رَأَى أَنَّ الْخُلْطَةَ تُحِيلُ الصَّدَقَةَ وَتَجْعَلُ مَالَ الاِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا بِمَنْزِلَةِ كَمَا لَوْ أَنَّهُ لِوَاحِدٍ‏:‏ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِثَلاَثَةٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً‏,‏ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهَا‏:‏ وَهُمْ خُلَطَاءُ‏;‏ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ‏,‏ فَنَهَى الْمُصَدِّقَ أَنْ يُفَرِّقَهَا لِيَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً فَيَأْخُذُ ثَلاَثَ شِيَاهٍ‏,‏ وَالرَّجُلاَنِ يَكُونُ لَهُمَا مِائَتَا شَاةٍ وَشَاتَانِ‏,‏ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا‏,‏ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ فَيُفَرِّقَانِهَا خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ‏;‏ فَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً‏,‏ فَلاَ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ إلاَّ شَاتَيْنِ وَقَالُوا‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام كُلُّ خَلِيطَيْنِ يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ هُوَ أَنْ يَعْرِفَا أَخْذَ السَّاعِي فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتُهُ عَلَى حَسْبِ عَدَدِ مَاشِيَتِهِ كَاثْنَيْنِ لاَِحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِلآخِرِ ثَمَانُونَ وَهُمَا خَلِيطَانِ‏,‏ فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ‏,‏ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ ثُلُثَاهَا وَعَلَى صَاحِبِ الأَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا وَقَالَ مَنْ رَأَى أَنَّ الْخُلْطَةَ لاَ تُحِيلُ حُكْمَ الصَّدَقَةِ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِثَلاَثَةٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً‏,‏ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا‏,‏ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ‏,‏ فَنُهُوا عَنْ جَمْعِهَا وَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ فِي مِلْكِهِمْ تَلْبِيسًا عَلَى السَّاعِي أَنَّهَا لِوَاحِدٍ فَلاَ يَأْخُذُ إلاَّ وَاحِدَةً‏,‏ وَالْمُسْلِمُ يَكُونُ لَهُ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاتَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَلاَثُ شِيَاهٍ‏,‏ فَيُفَرِّقُهَا قِسْمَيْنِ وَيُلْبِسُ عَلَى السَّاعِي أَنَّهَا لاِثْنَيْنِ‏,‏ لِئَلاَّ يُعْطِيَ مِنْهَا إلاَّ شَاتَيْنِ‏,‏ وَكَذَلِكَ نَهَى الْمُصَدِّقَ أَيْضًا عَنْ أَنْ يَجْمَعَ عَلَى الاِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مَا لَهُمْ لِيُكْثِرَ مَا يَأْخُذُ‏,‏ وَعَنْ أَنْ يُفَرِّقَ مَالَ الْوَاحِدِ فِي الصَّدَقَةِ‏,‏ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ لِيُكْثِرَ مَا يَأْخُذُ وَقَالُوا‏:‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ كُلُّ خَلِيطَيْنِ يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا عليه السلام هُمَا مَا اخْتَلَطَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ‏;‏ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْخَلِيطَانِ مِنْ النَّبِيذِ بِهَذَا الاِسْمِ‏,‏ وأما مَا لَمْ يَخْتَلِطْ غَيْرُهُ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ‏,‏ هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ‏,‏ قَالُوا‏:‏ فَلَيْسَ الْخَلِيطَانِ فِي الْمَالِ إلاَّ الشِّرْكَيْنِ فِيهِ اللَّذَيْنِ لاَ يَتَمَيَّزُ مَالُ أَحَدِهِمَا مِنْ الآخَرِ‏,‏ فَإِنْ تَمَيَّزَ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ‏,‏ قَالُوا‏:‏ فَإِذَا كَانَ خَلِيطَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَاءَ الْمُصَدِّقُ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ‏,‏ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ قِسْمَتَهَا لِمَالِهِمَا‏,‏ وَلَعَلَّهُمَا لاَ يُرِيدَانِ الْقِسْمَةَ‏,‏ وَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ‏,‏ فَإِذَا أَخَذَ زَكَاتَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ‏;‏ كَائِنَيْنِ لاَِحَدِهِمَا ثَمَانُونَ شَاةً وَلِلآخَرِ أَرْبَعُونَ‏,‏ وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي جَمِيعِهَا‏,‏ فَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ شَاتَيْنِ‏;‏ وَقَدْ كَانَ لاَِحَدِهِمَا ثُلُثَا كُلِّ شَاةٍ مِنْهُمَا وَلِلآخَرِ ثُلُثُهَا‏,‏ فَيَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ فَيَبْقَى لِصَاحِبِ الأَرْبَعِينَ تِسْعٌ وَثَلاَثُونَ‏,‏ وَلِصَاحِبِ الثَّمَانِينَ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ قال أبو محمد‏:‏ فَاسْتَوَتْ دَعْوَى الطَّائِفَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ‏,‏ وَلَمْ تَكُنْ لاِِحْدَاهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الآُخْرَى فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا تَأْوِيلَ الطَّائِفَةِ الَّتِي رَأَتْ أَنَّ الْخُلْطَةَ لاَ تُحِيلُ حُكْمَ الزَّكَاةِ أَصَحَّ‏;‏ لأَِنَّ كَثِيرًا مِنْ تَفْسِيرِهِمْ الْمَذْكُورِ مُتَّفَقٌ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ‏,‏ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ تَفْسِيرِ الطَّائِفَةِ الآُخْرَى مُجْمَعًا عَلَيْهِ‏;‏ فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ‏;‏ وَصَحَّ تَأْوِيلُ الآُخْرَى لأَِنَّهُ لاَ شَكَّ فِي صِحَّةِ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلٌ لاَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ‏;‏ فَهَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ وَوَجَدْنَا أَيْضًا الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ‏:‏ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ فَلاَ صَدَقَةَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً شَيْءٌ وَسَائِرُ مَا نَصَّهُ عليه السلام فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ‏,‏ وَالإِبِلِ‏,‏ مِنْ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً‏,‏ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ‏,‏ وَغَيْرُ ذَلِكَ‏,‏ وَوَجَدْنَا مَنْ لَمْ يُحِلْ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ قَدْ أَخَذَ بِجَمِيعِ هَذِهِ النُّصُوصِ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا‏,‏ وَوَجَدْنَا مَنْ أَحَالَ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ يَرَى هَذِهِ النُّصُوصَ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا وَوَجَدْنَا مَنْ أَحَالَ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ يَرَى فِي خَمْسَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ‏,‏ وَأَنَّ ثَلاَثَةً لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً عَلَى السَّوَاءِ بَيْنَهُمْ أَنَّ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ شَاةٍ‏,‏ وَأَنَّ عَشْرَةَ رِجَالٍ لَهُمْ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ بَيْنَهُمْ‏,‏ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرَ شَاةٍ وَهَذِهِ زَكَاةٌ مَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ‏;‏ وَخِلاَفٌ لِحُكْمِهِ تَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَسَأَلْنَاهُمْ عَنْ إنْسَانٍ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ فِي بَلَدٍ‏,‏ وَلَهُ أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فِي بَلَدٍ آخَرَ‏,‏ وَلَهُ ثَلاَثٌ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فِي بَلَدٍ ثَالِثٍ فَمَا عَلِمْنَاهُمْ أَتَوْا فِي ذَلِكَ بِحُكْمٍ يُعْقَلُ أَوْ يُفْهَمُ وَسُؤَالُنَا إيَّاهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ يَتَّسِعُ جِدًّا‏;‏ فَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى جَوَابٍ يَفْهَمُهُ أَحَدٌ أَلْبَتَّةَ‏,‏ فَنَبَّهْنَا بِهَذَا السُّؤَالِ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏.‏

وَمَنْ رَأَى حُكْمَ الْخُلْطَةِ يُحِيلُ الزَّكَاةَ فَقَدْ جَعَلَ زَيْدًا كَاسِبًا عَلَى عَمْرٍو‏,‏ وَجَعَلَ لِمَالِ أَحَدِهِمَا حُكْمًا فِي مَالِ الآخَرِ‏;‏ وَهَذَا بَاطِلٌ وَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ‏.‏

وَمَا عَجَزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ وَهُوَ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ لَنَا عَنْ أَنْ يَقُولَ‏:‏ الْمُخْتَلِطَانِ فِي وَجْهِ كَذَا وَوَجْهِ كَذَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ‏,‏ فَإِذْ لَمْ يَقُلْهُ فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا اخْتَلَطَ فِي الدَّلْوِ‏,‏ وَالرَّاعِي‏,‏ وَالْمَرَاحِ‏,‏ وَالْمُحْتَلَبِ‏:‏ تَحَكُّمٌ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً‏,‏ لاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ وَجْهٍ يُعْقَلُ‏,‏ وَبَعْضُهُمْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ بِلاَ دَلِيلٍ وَلَيْتَ شِعْرِي‏:‏ أَمِنْ قَوْلِهِ عليه السلام مَقْصُورًا عَلَى الْخُلْطَةِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ دُونَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخُلْطَةَ فِي الْمَنْزِلِ‏,‏ أَوْ فِي الصِّنَاعَةِ‏,‏ أَوْ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْغَنَمِ كَمَا قَالَ طَاوُسٍ وَعَطَاءٌ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ، حدثنا أَبُو الأَسْوَدِ هُوَ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ مِصْرِيٌّ، حدثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ‏:‏ إنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْفَحْلِ‏,‏ وَالْمَرْعَى‏,‏ وَالْحَوْضِ‏.‏

قلنا‏:‏ هَذَا لاَ يَصِحُّ‏;‏ لاَِنَّهُ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَمَا خَالَفْنَاكُمْ فِي أَنَّ مَا اجْتَمَعَ عَلَى فَحْلٍ‏,‏ وَمَرْعًى‏,‏ وَحَوْضٍ‏:‏ أَنَّهُمَا خَلِيطَانِ فِي ذَلِكَ‏;‏ وَهَذَا حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ‏;‏ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ إحَالَةُ حُكْمِ الزَّكَاةِ الْمُفْتَرَضَةِ بِذَلِكَ وَلَوْ وَجَبَ بِالاِخْتِلاَطِ فِي الْمَرْعَى إحَالَةُ حُكْمِ الزَّكَاةِ لَوَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَاشِيَةٍ فِي الأَرْضِ‏,‏ لأَِنَّ الْمَرَاعِيَ مُتَّصِلَةٌ فِي أَكْثَرِ الدُّنْيَا‏,‏ إلاَّ أَنْ يَقْطَعَ بَيْنَهُمَا بَحْرٌ‏,‏ أَوْ نَهْرٌ‏,‏ أَوْ عِمَارَةٌ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِتَخَالُطِهِمَا بِالرَّاعِي‏,‏ وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏;‏ وَإِلاَّ فَقَدْ يَخْتَلِطُ فِي الْمَسْقَى‏,‏ وَالْمَرْعَى‏,‏ وَالْفَحْلِ‏:‏ أَهْلُ الْحِلَّةِ كُلُّهُمْ‏,‏ وَهُمَا لاَ يَرَيَانِ ذَلِكَ خُلْطَةً تُحِيلُ حُكْمَ الصَّدَقَةِ وَزَادَ ابْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ وَالْمُحْتَلَبِ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنْ اخْتَلَطَا أَكْثَرَ الْحَوْلِ كَانَ لَهُمَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ بَارِدٌ وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ خَالَطَ آخَرَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَجَابُوا فَقَدْ زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِلاَ دَلِيلٍ وَلَمْ يَكُونُوا بِأَحَقَّ بِالدَّعْوَى مِنْ غَيْرِهِمْ وأما قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْحَوَالَةِ جِدًّا‏;‏ لأَِنَّهُ خَصَّ بِالْخُلْطَةِ الْمَوَاشِيَ‏,‏ فَقَطْ‏,‏ دُونَ الْخُلْطَةِ فِي الثِّمَارِ‏,‏ وَالزَّرْعِ وَالنَّاضِّ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا التَّخْصِيصُ مَوْجُودًا فِي الْخَبَرِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِعَقِبِ ذِكْرِهِ حُكْمَ الْمَاشِيَةِ قلنا‏:‏ فَكَانَ مَاذَا فَإِنْ كَانَ هَذَا حُجَّةً لَكُمْ فَاقْتَصِرُوا بِحُكْمِ الْخُلْطَةِ عَلَى الْغَنَمِ فَقَطْ لأَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إلاَّ بِعَقِبِ ذِكْرِ زَكَاةِ الْغَنَمِ‏;‏ وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ مِنْهُ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا الإِبِلَ‏,‏ وَالْبَقَرَ‏,‏ عَلَى الْغَنَمِ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ فَهَلاَّ قِسْتُمْ الْخُلْطَةَ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى الْخُلْطَةِ فِي الْغَنَمِ وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ مَالِكًا اسْتَعْمَلَ إحَالَةَ الزَّكَاةِ بِالْخُلْطَةِ فِي النِّصَابِ فَزَائِدًا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي عُمُومِ الْخُلْطَةِ كَمَا فَعَلَ الشَّافِعِيُّ‏,‏ وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ‏;‏ وَإِنْ كَانَ فَرَّ عَنْ إحَالَةِ النَّصِّ فِي أَنْ لاَ زَكَاةَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ‏:‏ فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ فِيمَا فَوْقَ النِّصَابِ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الإِحَالَتَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وأما أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الْجُمْهُورِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ‏;‏ وَهُمْ هُنَا قَدْ خَالَفُوا خَمْسَةً مِنْ التَّابِعِينَ‏,‏ لاَ يُعْلَمُ لَهُمْ مِنْ طَبَقَتِهِمْ، وَلاَ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ مُخَالِفٌ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُنْكَرٍ‏;‏ لَكِنْ أَوْرَدْنَاهُ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَهُمْ‏,‏ وَاحْتِجَاجَهُمْ بِشَيْءٍ لاَ يَرَوْنَهُ حُجَّةً إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ حَكِيمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ فِي كُلِّ إبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ‏,‏ لاَ تُفَرَّقُ إبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا‏,‏ مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا‏,‏ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا‏;‏ لاَ يَحِلُّ لاِلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ‏,‏ وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ قَالُوا‏:‏ فَمَنْ أَخَذَ الْغَنَمَ مِنْ أَرْبَعِينَ نَاقَةً لِثَمَانِيَةِ شُرَكَاءَ‏;‏ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ‏,‏ فَقَدْ فَرَّقَهَا عَنْ حِسَابِهَا‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام مِلْكَ وَاحِدٍ مِنْ مِلْكِ جَمَاعَةٍ قال أبو محمد‏:‏ فَنَقُولُ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏:‏ إنَّ كُلَّ هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَكُمْ حُجَّةٌ فَخُذُوا بِمَا فِيهِ‏,‏ مِنْ أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَشَطْرُ إبِلِهِ زِيَادَةٌ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ هَذَا مَنْسُوخٌ قلنا لَكُمْ‏:‏ هَذِهِ دَعْوَى بِلاَ حُجَّةٍ‏,‏ لاَ يَعْجِزُ عَنْ مِثْلِهَا خُصُومُكُمْ‏,‏ فَيَقُولُوا لَكُمْ وَاَلَّذِي تَعَلَّقْتُمْ بِهِ مِنْهُ مَنْسُوخٌ وَإِنْ كَانَ الْمِشْغَبُ بِهِ مَالِكِيًّا قلنا لَهُمْ‏:‏ فَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ مُكَاتِبًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هَذَا قَدْ خَصَّتْهُ أَخْبَارٌ أُخَرُ قلنا‏:‏ وَهَذَا نَصٌّ قَدْ خَصَّتْهُ أَخْبَارٌ أُخَرُ‏,‏ وَهِيَ أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي أَرْبَعٍ مِنْ الإِبِلِ فَأَقَلَّ‏,‏، وَأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةً إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ‏.‏

ثم نقول‏;‏ هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ‏.‏

لأَِنَّ بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ غَيْرُ مَشْهُورِ الْعَدَالَةِ‏,‏ وَوَالِدُهُ حَكِيمٌ كَذَلِكَ‏.‏

فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْمُخْتَلِطَيْنِ حُكْمُ الْوَاحِدِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ مَالُ إنْسَانٍ إلَى مَالِ غَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُزَكَّى مَالُ زَيْدٍ بِحُكْمِ مَالِ عَمْرٍو‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ بِلاَ شَكٍّ فِيمَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ الإِبِلِ‏;‏ لِمُخَالَفَةِ جَمِيعِ الأَخْبَارِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا‏;‏ لِمَا خَالَفَ هَذَا الْعَمَلَ لاِِجْمَاعِهِمْ وَإِجْمَاعِ الأَخْبَارِ عَلَى أَنَّ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الإِبِلِ حِقَّةً لاَ بِنْتَ لَبُونٍ‏;‏ وَلِسَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَأَيْضًا‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ الإِبِلُ فَقَطْ‏;‏ نَقَلَهُمْ حُكْمُ الْخُلْطَةِ إلَى الْغَنَمِ‏,‏ وَالْبَقَرِ‏:‏ قِيَاسٌ‏,‏ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏;‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ نَقْلُ هَذَا الْحُكْمِ عَنْ الإِبِلِ إلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِأَوْلَى مِنْ نَقْلِهِ إلَى الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالْعَيْنِ‏.‏

وَكُلُّ ذَلِكَ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَلاَِبِي حَنِيفَةَ هَاهُنَا تَنَاقُضٌ طَرِيفٌ‏;‏ وَهُوَ، أَنَّهُ قَالَ فِي شَرِيكَيْنِ فِي ثَمَانِينَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا‏:‏ إنَّ عَلَيْهِمَا شَاتَيْنِ بَيْنَهُمَا‏;‏ وَأَصَابَ فِي هَذَا‏.‏

ثُمَّ قَالَ فِي ثَمَانِينَ شَاةً لِرَجُلٍ وَاحِدٍ نِصْفُهَا وَنِصْفُهَا الثَّانِي لاَِرْبَعَيْنِ رَجُلاً‏:‏ إنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهَا أَصْلاً‏,‏ لاَ عَلَى الَّذِي يَمْلِكُ نِصْفَهَا‏,‏ وَلاَ عَلَى الآخَرِينَ‏;‏ وَاحْتَجَّ فِي إسْقَاطِهِ الزَّكَاةَ عَنْ صَاحِبِ الأَرْبَعِينَ بِأَنَّ تِلْكَ الَّتِي بَيْنَ اثْنَيْنِ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا وَهَذِهِ لاَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا فَجَمَعَ كَلاَمُهُ هَذَا‏:‏ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ مِنْ فَاحِشِ الْخَطَأِ أَحَدُهَا إسْقَاطُهُ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِكِ أَرْبَعِينَ شَاةً هَاهُنَا وَالثَّانِي إيجَابُهُ الزَّكَاةَ عَلَى مَالِكِ أَرْبَعِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ الآُخْرَى‏;‏ فَفَرَّقَ بِلاَ دَلِيلٍ وَالثَّالِثُ احْتِجَاجُهُ فِي إسْقَاطِهِ الزَّكَاةَ هُنَا بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُمْكِنُ هُنَالِكَ‏:‏ وَلاَ تُمْكِنُ هَاهُنَا‏;‏ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا وَمَا نَدْرِي لِلْقِسْمَةِ وَإِمْكَانِهَا‏.‏

أَوْ تَعَذُّرِ إمْكَانِهَا مَدْخَلاً فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ الْبَاطِلَ‏;‏ بَلْ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ هُنَالِكَ مُمْكِنَةً فَهِيَ هَاهُنَا مُمْكِنَةٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ هَاهُنَا مُتَعَذِّرَةً فَهِيَ هُنَالِكَ مُتَعَذِّرَةٌ‏;‏ فَاعْجَبُوا لِقَوْمٍ هَذَا مِقْدَارُ فَهْمِهِمْ قال أبو محمد‏:‏ فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ الزَّكَاةَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي الْمَاشِيَةِ إذَا مَلَكَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ‏,‏ وَتُوجِبُونَهَا عَلَى الشَّرِيكَيْنِ فِي الرَّقِيقِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ‏,‏ وَتَقُولُونَ فِيمَنْ لَهُ نِصْفُ عَبْدٍ مَعَ آخَرَ وَنِصْفُ عَبْدٍ آخَرَ مَعَ آخَرَ‏,‏ فَأَعْتَقَ النِّصْفَيْنِ‏:‏ إنَّهُ لاَ يُجْزِئَانِهِ عَنْ رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ‏;‏ وَمَنْ لَهُ نِصْفُ شَاةٍ مَعَ إنْسَانٍ‏,‏ وَنِصْفُ شَاةٍ أُخْرَى مَعَ آخَرَ فَذَبَحَهُمَا‏:‏ إنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ فَكَيْفَ هَذَا قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ فَقُلْنَا بِعُمُومِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ كُلُّ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَقُلْنَا بِذَلِكَ‏,‏ وَأَوْجَبَ رَقَبَةً وَهَدْيَ شَاةٍ، وَلاَ يُسَمَّى نِصْفَا عَبْدَيْنِ‏:‏ رَقَبَةً، وَلاَ نِصْفَا شَاةٍ‏:‏ شَاةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏